لحظات صادقة: بدور القاسمي تكشف أسرار تجدد الروح

الثلاثاء 09 ديسمبر 2025 - 11:36 ص

لحظات صادقة: بدور القاسمي تكشف أسرار تجدد الروح

زينة خلفان

لقد علمني خالد أن في الانكسار جمالاً، وفي التشظي معنى، وكان وجوده يشير إلى أن لا شيء في الحياة يفقد سدى. كل ألم وحيرة وشوق يحمل في طياته معنى، وكل لحظة تجلٍ وكل تفصيلة تعد خطوة على الطريق. بذلك الشجن، بدأت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي حكايتها في كتابها الجديد بعنوان أخبروهم أنها هنا.. بحثاً عن ملكة مليحة.

في هذا الكتاب تنطلق الشيخة بدور بلمسة وفاء لعزيز راحل، وتستذكر من لا ينسى: أخاها الشيخ خالد، الذي كان في حياته ورحيله تذكيراً بأن الحياة رحلة روحية من الذكر والتجلي.

بصدق وشفافية، وضعت الشيخة بدور القاسمي نفسها في كتابها، حيث لا مجال لأي شيء سوى الصدق. صفحات تصفحت للوجدان لا للقراءة السريعة. كتبتها بمذاق المناغاة والقصيدة الطويلة تسافر عبر الزمن والمكان، تفتش بين فضاءات عابرة، تسلك دروبًا متنوعة، بنقاء وصدق وصفاء، لتعود إلى النور الداخلي.

رحلة الشيخة بدور من خلال أخبروهم أنها هنا، هي هدية للقارئ، تسهل عليه درب الحياة بمحبة وأمل. تستعرض برؤى مفتوحة على الصدق تجاربها، وتستمد منها القوة لمواصلة المسيرة، لتنسج الفصول الـ 11 بخيوط من الصبر لتشكل لوحة تعبر عنها وتحمل توقيعها وبصمتها المميزة.. بصمة بدور القاسمي، التي تركز على الحلم كبوابة مفتوحة لعوالم النور.

في أخبروهم أنها هنا.. بحثاً عن ملكة مليحة، كقارئ أنت مطالب بسفر متعدد الاتجاهات، موجهتك فيه الشيخة بدور القاسمي. بداية بمعنى ذكرى خالد، والحزن النبيل هو قناعة تامة منذ الكلمة الأولى، ثم تأهب لصعود الجبال، من كليمنجارو إلى أهرامات البوسنة، وإلى قمم كلباء.

وأنت على موعد لتتعرف إلى ملكات منسيات، من: ماوية إلى زنوبيا وحتى بلقيس، وكثيرات غيرهن. ستعرف أيضاً عن أجداد مباركين، وجدات حاضرون بروحهم في الكتاب الذي تتنوع فيه الشهادات، وتتداخل فيه المشاهد بين الواقع والخيال.

في زخم الرحلة، تحضر أقوال الحكماء والشعراء من مختلف العصور، مشكّلة مسبحة تتلألأ حباتها، تستعين بها المؤلفة في استراحات رحلتها، من جلال الدين الرومي، وشمس التبريزي، وصولاً إلى جبران خليل جبران ولوركا وهرمان هسه.

مع وقفات متأنية مع السلالة والدم الجاري في عروق المؤلفة، ومن إرثوهم الشغف بالأرض والتاريخ، في المقدمة والدها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي لم يكن رجل دولة فقط، بل مفكر وعالم في التراث والأنساب.

لا يقتصر بحث الشيخة بدور القاسمي على ملكة مليحة فقط، بل عن الجذور الضاربة في الأصالة، وتصغي إلى همس الأجداد والجدات. منذ زيارتها الأولى لمليحة في شبابها وهي تستعد لدراسة الآثار والأنثروبولوجيا في كامبريدج، راحت تحول القصة إلى علاقة خاصة احتفظت بها وأثرتها.

تتحدث الشيخة بدور عن كنوز مليحة الخفية، وتنقل معانٍ عن جبال كلباء ونباتاتها. تشدد على قيمة أشجار السمر وعطايا الأرض، كتاب ظهرت فكرته في أعالي قمم جبال كلباء.

بكتابة مستنيرة بعنوان مجرد على الغلاف، تقلب بدور القاسمي صفحات حياتها، ليروي الكتاب لحظات محورية من حياتها، ولا يهدف لإلهام القارئ إلا دفعه ليعيش حياته بسعادة ويقدر اختبارات الحياة ومراحلها.

خلال الرواية تتطرق لمسار شفائها من داء هاشيموتو، الذي عانت منه لسنوات، وثارت عليه بتحريض شفائي للإفراج عن قصصها وقصص الأخريات. تتوج هذا التحول بعملية استئصال الغدة الدرقية التي عانت منها.

تمضي بدور القاسمي في الكتاب برحلة بين الفصول، تكشف عن أحلام تحققت وأخرى ما زالت تسعى لتحقيقها: قلبها أكبر إنجازاتها، بعدما بخّى فيه المحبة والامتنان. كان الكتاب شهادة حب للتائهين في صحارى الشك والأسئلة العميقة.

كما تستهل الشيخة بدور الكتاب بلمسة وفاء، تختتمه بلمسة امتنان للمواد القيمة في تجربتها، وهي رسالة حب لمن يشاركها هذه التجربة، تاركة القارئ مع مشاعر ممتعة وربط بين كل من الأسلاف والأسس التاريخية.

وفي مقدمة موجزة، يلخص الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تجربته مع أخبروهم أنها هنا.. بحثاً عن ملكة مليحة قائلاً: شكراً جزيلاً على هذه الخلوة، التي أخذتني بعيداً عن مشاغل لتقرأ العالم بعمق تاريخي. مثل أرجوحة ترفعني للسماء ثم تعود بالأرض، تتمنى لنفسها التوفيق فيما تصبو إليه: والدك.

يقع الكتاب في 367 صفحة، من تأليف الشيخة بدور القاسمي، ويحتوي على 11 فصلاً. والجدير بالذكر: يتحدث الكتاب عن حكاية الأرض التي لا تنفصل عن حكايتها، فالدم الجاري عظيم وتدعو القراء للسير معها بواسطة القلوب والجوارح.


مواد متعلقة