المبادرة الأمنية الأوروبية تتطلب تمويلًا جماعيًا لتفادي الأزمات
الأربعاء 28 مايو 2025 - 09:20 ص

مع إطلاق مبادرة العمل الأمني لأوروبا (سايف)، وهو برنامج الاتحاد الأوروبي الجديد للقروض مقابل الأسلحة بقيمة 150 مليار يورو، قدمت بروكسل ما كان مستحيلاً قبل خمس سنوات فقط، وأصدرت سندات مشتركة لتمويل مشتريات الأسلحة، مع مرونة مالية فعالة للدول الأعضاء.
تعد هذه لحظة فارقة، لكن إذا أُريد لبرنامج سايف أن يحقق أمناً مستداماً، فلابد أن يواكبه محرك مالي ثانٍ، لا يدعم المشتريات فقط، بل أيضاً القدرات الصناعية، وهو بنك متعدد الأطراف لتمويل الدفاع والأمن.
تمت الإشادة ببرنامج سايف، باعتباره إنجازاً تاريخياً، وللمرة الأولى ستجمع مؤسسات الاتحاد الأوروبي رأس المال بشكل جماعي نيابة عن الدول الأعضاء الـ27، لتمويل المشتريات المشتركة لقدرات دفاعية متطورة.
يجب أن يتم إبرام معظم العقود داخل الاتحاد الأوروبي أو مع شركائه المقربين، مثل أوكرانيا وسويسرا. وستكون المملكة المتحدة والولايات المتحدة وتركيا، مؤهلة للحصول على الحصة المتبقية، في انتظار أن تصبح الاتفاقات الأمنية مع بروكسل رسمية.
بالنسبة لكتلة لم تتمكن من الاتفاق على صندوق متواضع بقيمة خمسة مليارات يورو في عام 2019، يُمثل هذا تحولاً جذرياً في طريقة التفكير والمنهجية.
هناك أيضاً تحفيز مالي قصير الأجل، إذ سيسمح الاتحاد الأوروبي للحكومات بخرق ميثاق الاستقرار والنمو، بما يصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2028.
على الرغم من حجمه ورمزيته، فإن سايف هو في الأساس آلية تعتمد على الطلب، نظراً لأن البرنامج تم إعداده كدين سيادي، لذا يجب إغلاق الالتزامات الجديدة بحلول عام 2030، ولا يمكنه إعادة تدوير المدفوعات.
تتدفق الأموال إلى الحكومات فقط، بدلاً من الشركات مباشرة، ما يجعل موردي المستويين الثاني والثالث معتمدين على البنوك التجارية الحذرة، لتزويدهم بالسيولة النقدية.
تعرف أوروبا بالفعل كيف ينتهي هذا الوضع، ففي عام 2023 اصطدم الطلب المتزايد على الذخيرة ببيئة ائتمانية متجمدة، الأمر الذي تسبب في نقص حاد في التمويل.
وبدعم من الزخم السياسي المتزايد في بروكسل ولندن، ستتبع هذه المؤسسة نموذج بنوك التنمية متعددة الأطراف، لكن بتفويض حصري للدفاع والأمن والمرونة.
سيتم تمويلها من خلال رأسمال مدفوع وقابل للاسترداد من مساهميها، وسيتم تمكينها من إصدار سندات بأعلى تصنيف ائتماني.
ستدعم هذه الصناديق بعد ذلك الإقراض المباشر للحكومات والشركات، وتقدم ضمانات للبنوك التجارية لضمان تمويل الموردين، والاستثمار في البنية التحتية، وصفقات التصدير.
هذه الأصول يمكن أن تُدرج في الميزانيات الوطنية، أو تبقى في الميزانية العمومية للبنك، وهي مرونة مالية مهمة في ظل سعي الدول إلى توسيع الإنفاق الدفاعي دون تضخيم العجز الرسمي.
علاوة على ذلك، نظراً لأن البنوك متعددة الأطراف عادة ما ترفع رأسمالها بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف، فإن رأسمال أولي قدره 25 مليار يورو، يمكن أن يفتح المجال أمام ما يصل إلى 75 أو 100 مليار يورو من موارد الإقراض.
مع توسيع المشاركة والتوسع بمرور الوقت، يمكن للبنك أن ينمو بشكل كبير، ما يؤدي إلى بناء قاعدة رأسمال متينة افتقر إليها قطاع الدفاع الأوروبي لعقود.
بدلاً من التنافس، سيعمل برنامج سايف والبنك متعدد الأطراف جنباً إلى جنب، حيث يدعم كل منهما الآخر، لتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية في أوروبا.
سيخلق سايف طلباً مشتركاً ومخاطر مالية مشتركة، بينما سيضمن البنك متعدد الأطراف مواكبة التطورات.
باختصار، أحدهما ينفذ الأوامر، والآخر يوفر القدرة على تلبيتها، وإذا أرادت أوروبا أن تترجم هذه اللحظة الملحة إلى استعداد دائم، فكلاهما ضروري.
سيسهم إعلان مشترك في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو المقبل، في إنشاء بنك متعدد الأطراف للراغبين، برأسمال أولي يكفي لبدء عمليات البنك في عام 2026.
يمكن بعد ذلك تخصيص جزء من كل عقد في برنامج سايف لتمويل الموردين المدعوم من البنك، مع ربط الائتمان مباشرة بدورات المشتريات، ومنح الشركات الصغيرة والمتوسطة الثقة لتوسيع نطاق أعمالها.
الأهم من ذلك، أن يتجاوز البنك متعدد الأطراف الاتحاد الأوروبي، ليشمل شركاء مثل المملكة المتحدة وكندا واليابان وأستراليا، وهي ديمقراطيات ليبرالية ذات قطاعات دفاعية متقدمة.
أثبت سايف أن أوروبا قادرة على العمل بتناغم وسرعة. وسيثبت البنك متعدد الأطراف قدرته على الاستثمار معاً على المدى الطويل. ومن دون هذه المؤسسة المصرفية، يخاطر الاتحاد الأوروبي بزيادة التضخم واستنزاف موارده المالية.
لا يمكن لنهضة الدفاع في القارة العجوز أن تسير على محرك واحد فقط، لقد حان الوقت لتشغيل المحرك الثاني.
تهدف مبادرة العمل الأمني لأوروبا إلى تمكين الاتحاد من الاعتماد على ذاته دفاعياً، خصوصاً في ظل التغيرات الجيوسياسية المعاصرة.
تشكل مبادرة سايف أحد الأركان الأساسية لخطة الجاهزية 2030، التي وضعتها المفوضية الأوروبية، والرامية إلى توحيد الطلبات الدفاعية، وتعتبر عنصراً مهماً في استراتيجية طويلة الأمد لأمن الاتحاد الأوروبي.
مواد متعلقة
المضافة حديثا