باريس ولندن تنطلقان نحو آفاق جديدة في العلاقة الثنائية

الإثنين 07 يوليو 2025 - 04:21 ص

باريس ولندن تنطلقان نحو آفاق جديدة في العلاقة الثنائية

ناصر البادى

اجتمع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فبراير الماضي داخل البيت الأبيض، وقد قام بتسليم رسالة من الملك تشارلز الثالث يدعو فيها ترامب لزيارة رسمية للمملكة المتحدة.

لكن الزيارة الرسمية الأولى التي يستضيفها الملك هذا العام لن تكن لترامب، بل ستكون للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثامن من يوليو، ترافقه زوجته بريجيت، في زيارة ذات طابع رمزي بارز، يتم خلالها استقبالهما بحفاوة في قصر ويندسور.

الزيارة تعكس تحسن العلاقات بين لندن وباريس، عقب سنوات من الفتور منذ تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، إذ كان الفرنسيون ينظرون إلى بريطانيا كحليف غير موثوق به.

العلاقات الدبلوماسية كانت قد بلغت حالة من التوتر عندما امتنعت رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس عن تحديد موقفها من ماكرون، متسائلة إذا كان صديقًا أم خصمًا.

لكن الدفء بدأ يعود للعلاقات في 2023، مع استئناف الاجتماعات الثنائية وتبادل الزيارات الرسمية، مثل العشاء الملكي في قصر فرساي، حيث ألقى الملك تشارلز خطابًا جزئيًا باللغة الفرنسية.

زيارة ماكرون إلى لندن ستشهد خطابًا أمام البرلمان البريطاني، تأكيدًا لرغبة الطرفين في تجاوز الخلافات القديمة وتعزيز الوفاق الودي.

تحسنت العلاقات في ظل تغيرات سياسية، مع وصول ستارمر المعروف بموقفه المناهض للبريكست إلى رئاسة الحكومة البريطانية، وإجراء اتصالات مبكرة مع ماكرون.

على الرغم من اختلاف الشخصيتين، يواجه ستارمر وماكرون تحديات داخلية مماثلة، ويعلمان أهمية التنسيق الثنائي في القضايا الكبرى.

هذا التقارب يعكس حرص بريطانيا وفرنسا على تعزيز الأمن الأوروبي في ظل المتغيرات التقليدية مع عودة ترامب.

«العلاقات الثنائية هي بالتأكيد في أفضل حالاتها منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، كما قال السفير البريطاني السابق في باريس، لورد ريكيتس.

الجزء الأهم في قمة القادة يتعلق بملف الدفاع والأمن الأوروبي في ظل ارتفاع الإنفاق الدفاعي الألماني وزيادة النفوذ البولندي.

بريطانيا وفرنسا هما الدولتان النوويتان الوحيدتان في أوروبا، وستناقشان التعاون الوثيق في الردع النووي رغم صعوبة الأمر عمليًا.

تحديث معاهدات «لانكستر هاوس» الدفاعية مسعى مشترك حيث تؤكد على أن أي تهديد لأوروبا هو تهديد للجانبين.

فرنسا حريصة على ربط بريطانيا بأوروبا أمنيًا، لتكثيف الجهود المشتركة في منطقة البلطيق حيث تعملان بالفعل معًا كجزء من قوة الناتو في إستونيا.

فيما يتعلق بأوكرانيا، يسعى ستارمر وماكرون إلى إعادة تأكيد دعمهما لتحقيق الأمن في هذا الملف، رغم خيبة الأمل في قمة الناتو الأخيرة.

هذه الجهود تشكل استعدادًا من الجانبين للتفكير بشكل مختلف حول الأمن الجماعي، رغم عدم وجود وقف إطلاق نار وشيك مع روسيا.

التقارب بين بريطانيا وفرنسا يشمل أيضًا المؤسستين العسكريتين، إضافة إلى التعاون العميق البنّاء بين جهازي الاستخبارات.

لكن على الرغم من الروابط القوية، تظل نقاط الخلاف قائمة بشأن مشروعات الدفاع المشتركة وحقوق الصيد والسياسة تجاه فلسطين.

تشعر بريطانيا بالاستياء من عدم بذل فرنسا جهدًا أكبر لمنع المهاجرين من الانطلاق من سواحلها الشمالية رغم القدرة المتاحة لفرنسا للتدخل في المياه الضحلة.

عبور المهاجرين وصل إلى رقم قياسي في النصف الأول من 2025، ويثير ذلك غضب بريطانيا من مراقبة الشرطة الفرنسية للزوارق دون تدخل.

لكن برغم هذه التحديات، يبدو أن الروابط بين بريطانيا وفرنسا أقوى من أي وقت مضى منذ البريكست.

أظهر استطلاع حديث أن غالبية الفرنسيين والبريطانيين يدعمون فكرة تطوير قدرة ردع نووي أوروبية مستقل عن الولايات المتحدة.

يعكس الفهم المتزايد بين باريس ولندن الأمل في مرحلة جديدة من التعاون الفاعل لحماية أمن أوروبا واستقرارها.

عقب الاحتفالات بلندن بمقدم ماكرون، ستواجه بريطانيا وفرنسا مهمة شاقة لتطبيق الأفكار المشتركة، لكنهما ستحاولان القيام بذلك جنبًا إلى جنب.

أفاد الإليزيه بأن زيارة ماكرون إلى لندن ستكون أول زيارة دولة للمملكة المتحدة يقوم بها رئيس دولة في الاتحاد الأوروبي منذ بريكست.

الأهمية تأتي من كونها الزيارة الأولى منذ إعادة إطلاق العلاقات بين المملكة المتحدة وأوروبا، بفضل توجهات الحكومة العمالية بقيادة ستارمر.

شهدت العلاقات السياسية بين باريس ولندن توترات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، لكنها تحسنت بعد تولي ستارمر السلطة.


مواد متعلقة