قناة بنما: ساحة الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين
الأحد 28 ديسمبر 2025 - 09:14 م
تعتبر قناة بنما بالنسبة للمزارعين في ولاية نبراسكا الأمريكية، أو لمتاجر التجزئة في نيويورك، كمصدر حيوي لا يُرى إلا عند فقدانه، وهذا ما لاحظه المزارعون في عام 2023.
الجفاف أدى إلى انخفاض مستويات المياه في القناة، ولم تتمكن السفن الحاملة للصادرات الزراعية الأمريكية من استخدامها.
تشير التقديرات إلى أن بين 25 و30% من صادرات الحبوب الأمريكية تمر عادة عبر القناة. خلال فترة الجفاف، لم تمر أي سفينة عبر القناة، وارتفعت تكاليف الشحن، وانخفضت أسعار المنتجات الزراعية.
لكن في النهاية عاد المطر، وارتفع منسوب المياه واستأنفت السفن مرورها من القناة، التي عادت إلى دورها كممر طبيعي للسفن الأمريكية.
توفر القناة العديد من الفوائد الاقتصادية، ولكن يحظى بتقدير الجهود الجبارة المبذولة في القناة، وتُعتبر القناة واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية على مر العصور.
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجدل في بداية العام الحالي عندما تحدث عن إمكانية استرجاع القناة، ويرجع ذلك جزئياً إلى ملكية الموانئ من قبل شركة مقرها هونغ كونغ.
تنافس شركة استثمار أمريكية على شراء هذه الموانئ، بينما تشترط الصين أن تمتلك شركة صينية 51% من الأسهم.
هذا ليس الجدل الأخير المرتبط بقناة بنما، ولم يكن الشعب البنمي سعيدًا بسيطرة الولايات المتحدة على القناة، والمنطقة المحيطة بها بعرض 10 أميال. وفي عام 1977، وقع الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر اتفاقية لاستعادة السيطرة على قناة بنما بحلول عام 1999.
تعتبر قناة بنما بالنسبة للشركات العالمية قضية عادية، لكنها تمثل صميم الاهتمام للقوتين العظميين الصين والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، تعتبر بنما جنة لعشاق مراقبة الطيور، وعدت للتو مع زوجتي من رحلة استغرقت 10 أيام. خلال جولتنا التي استمرت ستة أيام، شاهدنا 139 نوعًا لم نشاهدها من قبل.
لكن اليوم الذي قضيناه في مشاهدة الأقفال التي ترفع السفن إلى 85 قدمًا فوق مستوى سطح البحر، ثم تقوم أقفال أخرى بإنزالها، كان بلا شك أبرز ما في الرحلة.
قبل الرحلة، قرأنا كتابًا من تأليف المؤرخ الأمريكي ديفيد ماكولوغ، والذي صدر عام 1977 بعنوان الطريق بين البحار: إنشاء قناة بنما 1870-1914.
يبدأ ماكولوغ روايته بسرد محاولة فرنسا الفاشلة التي استمرت 20 عامًا لبناء القناة، والمعركة السياسية في واشنطن حول موقعها ونوعها، ثم ينتقل لسرد تفاصيل السنوات العشر الشاقة التي حولت القناة إلى واقع ملموس.
خلال الفترة ما بين 1904 و1914، قام الأمريكيون بحفر أكثر من 232 مليون ياردة مكعبة من التراب والصخور. واضطر عمال الحفر أحياناً للحفر إلى عمق 300 قدم.
مجموعات الأقفال الثلاث التي بناها الأمريكيون تمثل إنجازًا هندسيًا باهراً، وهي مصاعد مائية ضخمة تعمل بالجاذبية لا بالمضخات، مستخدمة الأنفاق لنقل المياه.
يمكن فتح بواباتها المائلة وإغلاقها في دقيقتين فقط. وكلف المشروع نحو 352 مليون دولار في ذلك الوقت، أي ما يعادل 10.8 مليارات دولار اليوم.
لقي نحو 5600 عامل حتفهم ومعظمهم من العمال السود من جزر الكاريبي، وقد أودى الجهد الفرنسي بحياة 20 ألف شخص، وهو سبب رئيس لفشل فرنسا.
فشلت فرنسا أيضًا بسبب خطة غير واقعية لإنشاء قناة بمستوى سطح البحر دون أقفال عبر تضاريس بنما الجبلية.
قدرة الطبيب ويليام جورجاس من ألاباما على استئصال الحمى الصفراء والسيطرة على الملاريا كانت عاملا آخر في النجاح الأمريكي.
الكفاءة التنظيمية للواء جورج واشنطن جوثالز، كبير مهندسي المشروع، أنجزت القناة قبل الموعد المحدد وبتكلفة أقل من الميزانية بمقدار 23 مليون دولار.
العمل كان متقناً لدرجة أن الأقفال الأصلية ونظام التحكم لا يزالان قيد الاستخدام حتى اليوم، وأسهمت الولايات المتحدة في بناء دولة بنما.
كانت بنما جزءًا من كولومبيا، وعندما كانت المفاوضات بين الكولومبيين والولايات المتحدة متصلبة، أرسل روزفلت سفنًا حربية لدعم استقلال بنما.
أراد بعض أعضاء الكونغرس بناء القناة في نيكاراغوا، لكن المحامي الأمريكي ويليام كرومويل والمستثمر الفرنسي فيليب جان بونو فاريلا أقنعا روزفلت بإتمام المشروع في بنما.
أنقذت هذه الخطوة الشركة الفرنسية من الإفلاس حيث اشترت الولايات المتحدة أصولها في بنما.
أوربان ليهنر
مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في آسيا
نقلاً عن آسيا تايمز
مواد متعلقة
المضافة حديثا