الغزيّون يرحّبون بوقف الحرب بمشاعر مختلطة بين السعادة والدموع
الخميس 09 أكتوبر 2025 - 04:01 م

بين أنقاض المنازل المدمرة وخيام النزوح الممتدة على أطراف مدن قطاع غزة، استقبل الفلسطينيون إعلان وقف الحرب بمزيج من الفرح والدموع، في لحظة وصفها كثيرون بأنها "نجاة بعد كابوس طويل" استمر لعامين متواصلين من القصف، والدمار، والنزوح والمعاناة.
في شوارع شبه خالية ومخيمات مكتظة بالنازحين، خرج السكان من خيامهم ينظرون إلى السماء التي بدت لأول مرة منذ أشهر خالية نسبيا من الطائرات، الأطفال ركضوا حفاة فوق الرمال، والنساء أطللن من بين الجدران المهدمة، فيما رفع بعض الشبان الأعلام الفلسطينية في مشهد نادر منذ اندلاع الحرب.
غير أن هذا الفرح ظل مشوبا بمرارة الفقد، إذ يدرك الجميع أن الهدوء لا يمحو ما خسره الغزيون، ولا يعيد من رحلوا.
كان محمد أبو عودة (45 عاما) نجارا في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة قبل الحرب، ويقيم اليوم في خيمة بدير البلح وسط القطاع بعد أن فقد منزله ومصدر رزقه.
يقول وهو يتأمل الأفق الرمادي: "ردة فعلي الأولى كانت البكاء. كان بكاء ممتزجا بالفرح والحزن. شعرت أنني نجوت من محرقة حقيقية، لكنني في الوقت نفسه تذكرت وجوه أحبتي الذين لم ينجوا. لم يبق لنا بيت ولا شجرة، وكل ما نحلم به الآن هو أن نعود لنرى ما تبقى من أرضنا".
ويضيف محمد ، الذي فقد عمله وأدواته بالكامل، :"كنت أزرع أشجار الليمون حول بيتي، وسازرع أول شجرة جديدة عندما أعود، لتكون علامة على أن الحياة قادرة على النهوض من تحت الركام".
جلس علي السيد (39 عاما) ، سائق التاكسي على شاطئ غزة يتأمل البحر الذي حُرم من رؤيته لعامين كاملين.
يقول بصوت متأثر "هذه اللحظة التي كان ينتظرها كل فلسطيني هي لحظة توقف القتل وصمت المدافع. عامان من الدماء والدموع والجوع انتهت أخيرا. البحر نفسه تعب من سماع أصوات الانفجارات، واليوم حين عدت إليه بكيت طويلا".
يحلم علي بشراء سيارة جديدة ليعود إلى عمله، ويؤكد أن أول ما سيفعله هو زيارة والدته في حي الرمال ليعانقها بعد فراق طويل. لكنه يعترف بخوفه من أن يكون الهدوء مؤقتا: "نريد سلاما حقيقيا لا استراحة قصيرة قبل الحرب القادمة"، كما يقول.
في خيمة صغيرة قرب خان يونس، جلست فاطمة حلمي ، وهي معلمة لغة عربية فقدت زوجها المسعف خلال الحرب ولم يُعثر على جثمانه بعد. تقول وهي تمسك بيد طفلتها الصغيرة "أرغب في العودة إلى بيتي في الشيخ رضوان، حتى لو لم يبق منه شيء. اليوم تختلط في قلبي مشاعر كثيرة، الفرح والحزن والأمل واليأس. أتمنى أن يكون هذا الاتفاق بداية جديدة لا مجرد هدنة مؤقتة. أريد فقط أن يعيش أطفالي أياما بلا خوف".
ورغم معاناتها، تحاول فاطمة منذ أشهر تعليم أطفال المخيم القراءة والكتابة داخل خيمتها، في محاولة لإحياء روح المدرسة التي دمرتها الحرب. وتضيف بابتسامة متعبة "ربما التعليم هو الشيء الوحيد الذي لم تستطع الحرب تدميره".
في حي الصبرة بمدينة غزة، جلس إبراهيم الديري (52 عاما)، الموظف السابق في بلدية غزة، أمام أنقاض منزله الذي تهدم جزئيا، يتأمل المكان الذي شهد حياته كلها. فقد اثنين من أقربائه في القصف، لكنه واصل عمله التطوعي في توزيع المساعدات.
يقول الديري بهدوء "ها هي الحرب تنتهي ويعود السلام شيئا فشيئا إلى أرضنا الجريحة، لكن قبل أن نرفع أصوات الفرح علينا أن نصغي إلى صمت الأمهات اللواتي قدمن أغلى ما يملكن. نعم فلنفرح، ولكن بوقار يليق بعظمة التضحيات".
اليوم، يعمل إبراهيم مع مجموعة من الشبان على إزالة الركام من شوارع الحي. "كل حجر نزيحه هو خطوة صغيرة نحو الحياة من جديد"، يقول وهو يحمل بقايا جدار متهدم.
ورغم مشهد الفرح الذي عمّ القطاع، يسود شعور عام بالحذر والريبة. فالكثير من الغزيين لا يصدقون أن الحرب انتهت فعلا. لا تزال أصوات الطائرات تُسمع أحيانا في السماء، وتثير في النفوس خوفا غريزيا متراكما. ومع ذلك، فإن توقف القصف ولو مؤقتا أعاد للمدينة بعضا من نبضها الأول: أصوات الأطفال، ونداءات الباعة، وضحكات الناس رغم الألم.
في كل زاوية من القطاع، تتردد جملة واحدة على ألسنة الجميع: "نريد أن نعيش".
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن الليلة الماضية التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة، يقضي بوقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وبدء عملية لتبادل الأسرى.
ورحبت الفصائل الفلسطينية بالاتفاق واعتبرته انتصارا لصمود الشعب، فيما حذر محللون من هشاشته في ظل غياب تفاهمات سياسية حول مستقبل القطاع. ومع ذلك، يبقى الأمل قائما في أن تشكل هذه الهدنة نقطة انطلاق نحو سلام دائم، كما يقول محمد أبو عودة: "ما بعد الحرب يجب أن يكون بداية جديدة، لا تكرارا للجحيم".
مواد متعلقة
المضافة حديثا