العالم العربي يودع الروائي صنع الله إبراهيم.. شاهد على التحولات الكبرى
الخميس 14 أغسطس 2025 - 05:03 ص

في سياق الأحداث الثقافية الأخيرة، تلقت الأوساط الأدبية خبر وفاة الكاتب المصري الكبير، صنع الله إبراهيم، الذي فارق الحياة عن عمر يناهز 88 عاماً. كان إبراهيم قد مر بأزمة صحية حرجة في مايو، استلزم خلالها العلاج بالمستشفى.
وأعرب وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو عن حزنه العميق لفقدان الكاتب، مشيراً إلى أن صنع الله إبراهيم كان من أبرز الأصوات السردية في الأدب العربي المعاصر، مشيداً بالتزامه الدائم بقضايا الوطن والإنسان.
توافقت عدة شخصيات أدبية وإعلامية في تعازيها وصوتها الموحد، من بينهم إبراهيم عبدالمجيد ووسيني الأعرج وياسين عدنان، والذين عبروا عن فقدانهم الملحوظ لأحد عمالقة الأدب العربي.
وُلد إبراهيم في القاهرة عام 1937، وقد أثرت خلفية والده الثقافية الغنية على تكوينه الأدبي، إذ كان والده يمتلك مكتبة تضم نفائس الأدب العالمي. درس الحقوق، لكن اهتمامه الأساسي كان السياسة والصحافة.
واجه صنع الله إبراهيم السجن لفترات مختلفة بسبب نشاطه السياسي وانتمائه لليسار، حيث عاش تجربة السجن بين 1959 و1964، والتي أثرت بعمق في كتاباته اللاحقة، مُستلهماً منها العديد من أعماله.
بعدما عاد من موسكو في جولة تعليمية للتصوير السينمائي، عاد إلى مصر وقرر التفرغ للأدب والترجمات. كانت أعماله بمثابة شواهد اجتماعية وتحولت بعضها إلى دراما وسينما، منها "ذات" و"شرف".
وقد أثارت قراراته في الوسط الأدبي جدلاً كبيراً، خاصة عندما رفض جائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي" عام 2003، مشيراً إلى تفاصيل تثير التساؤلات حول التقديرات الأدبية في مصر آنذاك.
عرف عن صنع الله إبراهيم أنه في طليعة الروائيين الذين شكلوا نماذج نقدية حقيقية للحقب المعاصرة، مستنداً إلى الوثائقية والحياء الأدبي، ومحرراً لصور تعكس تجارب المجتمع وتوثق أحداثه الملتهبة.
تبدو رواياته كوثائق أدبية تروي حكايات العقود الماضية، حيث أضاء فيها محمد خفايا الحياة السياسية والاجتماعية، مسلطاً الضوء على حقبات التحولات الكبرى في مصر والشرق الأوسط.
من بين مؤلفاته البارزة، رواية "اللجنة" التي تناول فيها السلطة بأسلوب تهكمي فريد، و"بيروت بيروت" التي عالجت أحداث الحرب الأهلية اللبنانية بمنظور نقدي عميق.
لم يكن صنع الله إبراهيم مجرد كاتب متفرج من بعيد، بل كان صاحب موقف جريء، عبّر عنه من خلال جوائزه التي حصل عليها كجائزة ابن رشد للفكر الحر مكرّماً التزامه بالقضايا الإنسانية.
انعكست بصمة صنع الله إبراهيم في الأدب العربي من خلال المزج الفريد بين الخيال والواقع، مخاطباً السلطة والمجتمع بأسلوب فني مقتدر، وقد حافظ على أسلوبه المتميز في جميع أعماله الأدبية.
وُلِد صنع الله إبراهيم في وسط أدبي خصب، ساعده على تطوير رؤيته الأدبية والنقدية، مشكلاً نموذجاً خاصاً في الكتابة يجذب إليها القراء والنقاد من مختلف الاتجاهات الفكرية.
كان رفضه لجائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي" بمثابة تعبير عن موقفه الصريح الجريء، وسط تحديات كثيرة واجهها في مشواره الأدبي الذي أثرى به المكتبة العربية.
ظل صنع الله إبراهيم متمسكًا بمواقفه السياسية حتى النهاية، محققاً بذلك أثراً لا يمحى في ذاكرة الأدب العربي المعاصر، وراية مُلهِمة للأجيال القادمة من المبدعين والمفكرين.
مواد متعلقة
المضافة حديثا