التاج الذهبي الكوري: توازن بين إدارة المخاطر والتفاعل مع ترامب
الإثنين 22 ديسمبر 2025 - 02:34 ص
عندما قدّم رئيس كوريا الجنوبية لي جي ميونغ هدية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شكل تاج ذهبي خلال زيارته لمدينة غيونغجو بكوريا الجنوبية في أكتوبر الماضي، اعترض التقدميون الأميركيون على هذا التصرف واعتبروه إذعاناً وتملقاً من جانب كوريا الجنوبية، وأشارت الإعلامية في برنامج "ذي ديلي شو" إلى أن هذه اللفتة من كوريا الجنوبية لا تساعد في الجهود المبذولة لتقليص صورة ترامب كـ"ملك"، وهو الجهد الذي يحاول الأميركيون التخفيف منه.
وبعد ستة أسابيع، ظهرت استراتيجيات الأمن القومي لتوضح حسابات سيؤول، إذ أن "التاج" منحها فائدة زمنية للمناورة في التعامل مع ترامب ومطالبه التي قد تراها سيؤول مبالغاً فيها. في وقت تطلب واشنطن من كوريا توسيع "مرونة كوريا الاستراتيجية" للتفاعل مع حالات الطوارئ المتعلقة بتايوان، وتخصيص موارد أكبر بكثير للدفاع الجماعي، ضمنت سيؤول تخفيف الرسوم الجمركية واتفاقية غواصات نووية ووقتاً كافياً لتجنب التورط في صراع مع الصين، وهي شريك تجاري هام.
نفهم احتجاجات "لا نريد ملوكاً" في شوارع الولايات المتحدة، كما نفهم سبب استنكار الأميركيين التقدميين لموقف سيؤول، الذي بدا وكأنه خضوع. لكن في نظر كوريا الجنوبية، هي إحدى الطرق لحماية مصالحها في مواجهة زعيم دولة ضخم متطلب، وكانت القرار جزءاً من خطة قديمة مفادها: "إدارة الأقوياء لضمان بقاء الضعفاء".
يلفت هذا الوضع الانتباه، خصوصاً الآن حيث تسعى إدارة الرئيس الكوري لي جي ميونغ إلى "دبلوماسية براغماتية تركز على المصالح الوطنية"، في ظل ارتفاع الضغوط الأميركية. تجاوزت ردود الفعل انقسامات السياسة المعتادة في كوريا، واتجهت نحو الفكاهة السوداء، قائلة للأميركيين "أنتم من انتخبتموه، ونحن علينا التحمل".
لفهم الموقف أكثر، يمكن ملاحظة لقب ترامب في كوريا الجنوبية، "تيو-جوك-آي"، الذي يشكل تلاعباً على مصطلح "جيوم - جوكي" أو "الطفل الذهبي" من برنامج واقعي شهير عن أطفال يواجهون تحديات سلوكية حادة، حيث الهدف هو إدارة السلوك لصالح الأسرة والتاج الذهبي هنا هو استعراض لشخصية مهووسة بالمكانة.
عندما يكون التعامل مع صاحب سلطة متقلب، لا يمكن اللجوء إلى المنطق في كل اجتماع، بل تُصمم محفزات تُلبي احتياجات البلاد، خاصة عندما تشمل هذه الاحتياجات تجنب التورط في صراعات إقليمية لا صلة لها بها ولا تخدم مصالحها.
كانت السخرية في الولايات المتحدة نافذة، لأسباب عملية، حيث يجب على كوريا دفع ما يُفرض عليها، ويتضمن الإطار الذي أُعلنه في غيونغجو استثمارات بقيمة 350 مليار دولار، وتعاوناً في بناء السفن، وتخفيضات جمركية للسيارات الكورية.
على الرغم من عدم توقيع اتفاق نهائي، إلا أن الصورة العامة كانت واضحة: سيؤول أبدت استعدادها لدفع ثمن التنازلات التي تقيمها الأميركان، ومع ذلك، يواصل ترامب الضغط لزيادة تقاسم تكاليف الدفاع، مغيّراً طبيعة التحالف إلى صفقة تجارية بدلاً من شراكة أمنية.
يستذكر هذا الرقم الأزمة المالية الآسيوية 1997-1998 حيث أجبرت كوريا على تقديم خطة إنقاذ مهينة وتسريح جماعي، ما أدى إلى عقد يُعتبر ضائعاً، والطلب من أغنى دول العالم دفعاً يبدو كابتزاز للفقراء.
يمكن النظر إلى "التاج" كخضوع مفتعل لضمان استقلال فعلي، إذ سمح ترامب لكوريا بصنع غواصة نووية، مما يُظهر قدرة ردع تركز على كوريا الشمالية والغواصات الصينية.
قد يبدو الخيار "مُهيناً" للأميركيين، لكن للكوريين هو خيار عملي، حيث الديمقراطية تختلف عند مواجهة جيران نوويين.
ويمكن للولايات المتحدة الحفاظ على تماسكها الأيديولوجي، بينما يجب على كوريا الحفاظ على موقفها الاستراتيجي. لأكثر من ستة قرون، كان الحاكم يخدم الشعب، والقائد الذي يطلب الجزية دون مراعاة رفاهية الآخرين لا يصلح للحكم.
لم يتخل الكوريون عن هذا المبدأ عند تقديم التاج لترامب، بل كانوا يعكسون صورة القوة الأميركية قائلين: "ترفضون الملوك داخلياً، وتتصرفون كالأباطرة خارجياً"، بينما يحافظون على مساحة لحماية أسرهم وصناعتهم.
بالنسبة للتقدميين، قد يبدو الأمر تملقاً، لكن لسيؤول، كان إدارة للمخاطر بتقديم "التاج" الذي وفر الوقت لمواجهة التوسع في مطالب واشنطن الإقليمية، هذه المطالب قد تدفع بكوريا إلى خط المواجهة بين القوى العظمى.
إذا كان الأميركيون يرفضون بالفعل الملكية، فإن السؤال الأصعب هو لماذا أقام الكوريون الحفل المحرج، ولماذا نتوقع بسرعة خضوع الدول الأضعف ونصف أساليب بقائها بالولاء، بينما هي نتائج للعيش في منطقة خطرة.
لم يكن "التاج" الذي قدم لترامب هدية بل مرآة ودفعة للاستقلال الاستراتيجي اللازم مع تصاعد مطالب واشنطن، وعلى التقدميين الأميركيين الذين سخروا من الحفل أن يسألوا أنفسهم لماذا يتوقعون خضوع الدول الأضعف، ولماذا يخلطون بين أساليب البقاء والاستسلام.
مواد متعلقة
المضافة حديثا