هل تستطيع أيسلندا التعامل مع التطرف وزيادة عدد المهاجرين؟

الأحد 30 نوفمبر 2025 - 04:45 ص

هل تستطيع أيسلندا التعامل مع التطرف وزيادة عدد المهاجرين؟

ناصر البادى

في آيسلندا، تبدو قضية استبدال السكان وتراجع أعدادهم ذات أهمية كبيرة. فالبلد يحتوي على عدد سكان أقل من مدينة ويتشيتا في ولاية كانساس الأمريكية. يبلغ عدد سكان هذه المدينة حوالي 395.699 نسمة. هذه هي بالضبط الحالة في آيسلندا الجزيرة النائية الواقعة في شمال المحيط الأطلسي، حيث وصل عدد المهاجرين إلى حدود الأزمة.

الحال مشابه في معظم أوروبا؛ حيث تؤدي الجرائم إلى خلع بعض الأحياء وتجعل منها غير آمنة. بعض هذه الجرائم تجد طريقها إلى الإنترنت وقليل منها يصل إلى وسائل الإعلام الآيسلندية وبالكاد يحظى باهتمام دولي. الأنشطة الإجرامية "الشبابية" تثير حيرة المعلمين، الآباء وسلطات القانون، إذ وصلت عصابات إجرامية من أحياء المهاجرين في أوروبا القارية. الشرطة الآيسلندية تحذر من أن التطرف يمثل تهديدًا حديثًا. هناك مهاجر واحد على الأقل تم ترحيله بسبب ارتباطه بتنظيم متطرف هذا العام.

قضية مثيرة للاهتمام انتهت هذا الصيف عندما أصدرت المحكمة العليا في آيسلندا حكمًا ضد مهاجر يعمل في مدرسة ابتدائية بتهمة اعتداء جنسي على طالبة تبلغ 14 عامًا. استمرت الاعتداءات على مدى شهور عديدة. سابقًا، رفضت محكمة محلية التهم الأشد بحجة "سوء الفهم الثقافي". تم تسليط الضوء على الجاني كقصة نجاح في الاندماج خلال "المنتدى العالمي للاجئين 2019" بواسطة سكرتير رئيس الوزراء السابق.

قالت رئيسة الوزراء الاشتراكية الديمقراطية كريسترون فروستادوتير هذا الصيف: "من الطبيعي أن تتجلى المشاعر عندما يتعلق الأمر بتغيير اجتماعي سريع". وأضافت: "يجب أن نضع في الاعتبار أن نسبة المهاجرين في آيسلندا نمت بسرعة كبيرة خلال بضع سنوات فقط؛ وهذا بطبيعة الحال يحفز الناس على التفكير".

مدرب كرة السلة برينجار كارل سيغوردسون ابتكر وصف "حيبي مالمو" لوصف حي في العاصمة ريكيافيك الذي اكتسب عددًا كبيرًا من السكان المهاجرين بسرعة. قال سيغوردسون: "أنا غاضب من نفسي ومن الجميع لأننا سمحنا للأمور بأن تصل لهذا المدى". وأردف: "وصلنا إلى النقطة التي سمحنا فيها للعدوى الطبيبعية بأن تتسبب في بتر الساق كاملة. لا يمكن فعل شيء بعد أن يتجاوز الأمر حدا معينًا".

أثارت تعليقات أحد المعلمين في ريكيافيك نقاشًا وطنيًا اذ زعم أن 90% من طلابه من أصول أجنبية ولا أحد منهم، حتى القليل الذين يتحدثون الآيسلندية، يمكنه فهم جملة "القلب يضخ الدم". مع حلول عام 2023، كانت نسبة الأجانب بين الطلاب في المدارس الآيسلندية تتراوح بين 15 و20%. في مناطق مثل "بريدهولت" والمناطق القريبة من مطار كيفلافيك الدولي، الممتلئة بالمنشآت العسكرية الأمريكية السابقة، ترتفع هذه النسب بشكل ملحوظ.

المشهد الاقتصادي في آيسلندا يتميز بالمزيج الأوروبي المعتاد من الدعم الحكومي، العمل المؤقت، والأنشطة غير المشروعة، في وقت تزداد فيه جاذبية الأنشطة العصابية لنسبة كبيرة من الفتيان والشباب المهاجرين. يوضح تقرير من محطة البث الحكومية "آر يو في" كيف غمرت العمالة الأجنبية مهنة قيادة سيارات الأجرة. وفي ليلة واحدة، تحدث الصحافيون مع سائقين من أفغانستان وساحل العاج، والمغرب، والفلبين.

الآيسلنديون العاملين في هذا القطاع يشعرون بعدم الارتياح إذ يقول أحدهم: "السوق مكتظة، وتستمر الرخص في الصدور دون قيود نرى منافسة قاتلة مما يرفع من فرص الغش والتهرب من الضرائب". مقابل هذا، بدأ بعض السائقين الآيسلنديين، الذين تعدادهم في تناقص، بوضع العلم الوطني على زجاج سياراتهم الأمامي.

هناك شعور متزايد لدى الآيسلنديين بأن أرضهم "السيادية" تتحول لمستعمرة ناطقة باللغة الإنجليزية. "البلد سيباع"، هكذا يقول المقطع المتكرر في رواية الحرب الباردة للكاتب الحائز جائزة نوبل هالدور لاكسنس، وبعد ثمانية عقود لا يزال هذا الشعور ماثلًا.

لم تتبع آيسلندا النموذج القياسي لأوروبا الغربية في استقطاب العمالة المهاجرة. بدلاً من ذلك، تشبهت بإيرلندا؛ جزيرة معزولة كانت زراعية من قبل واستحوذت عليها الرأسمالية الجامحة. في التسعينيات كان كرم الآيسلنديين يمتد لطائفة متواضعة لكنها مرئية من اللاجئين من حروب يوغوسلافيا.

في عام 1994، انضمت آيسلندا إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، وفي عام 2004 انضمت مجموعة من دول أوروبا الوسطى والشرقية ما بعد الشيوعية إلى الاتحاد الأوروبي. يأتي معظم الوافدين الجدد من الثقافات المتوافقة إلى حد كبير مع المجتمع الآيسلندي. بسبب اكتساب الكاثوليكية شهرة ملفتة، منذ إعدام الأسقف جون أراسون في 1550، أصبح الأسقف الكاثوليكي الحالي لريكيافيك من أصول سلوفاكية وحضر رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو افتتاح كنيسة كاثوليكية في منطقة نائية بشرق آيسلندا في 2017.

أثناء الأزمة المالية 2008-2011، كانت درجة انهيار البنوك والاقتصاد غير مسبوقة، وفقًا لبعض الدراسات. لكن المهاجرين لم يكن لهم نصيب بارز في المناقشة كمشكلة سياسية خلال هذه المدة. بحلول عام 2015، شكل المهاجرون 8.9% من السكان. ازداد الضغط على الآيسلنديين لدراسة مستقبلهم الوطني.

خلال أزمة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل في عام 2015، أعرب بعض الآيسلنديين عن رغبتهم في فتح منازلهم لطالبي اللجوء السوريين وغيرهم من الشرق الأوسط؛ لكن الأحياء الغنية في ريكيافيك ظلت آيسلندية مليئة بالمشاعر المؤيدة للاجئين. أما الأحياء الفقيرة فشابهت المناطق المحظورة في عواصم أوروبا الأخرى.


مواد متعلقة