تحديات سياسية واقتصادية تعرقل جهود خفض الانبعاثات الكربونية عالمياً

الإثنين 04 أغسطس 2025 - 03:47 ص

تحديات سياسية واقتصادية تعرقل جهود خفض الانبعاثات الكربونية عالمياً

منى شاهين

الحد من تغير المناخ يعتبر تحديًا كبيرًا، إذ لا يمكن تغيير توازن الطاقة الأساسي لكوكب الأرض في وقت قصير، كما أن تحويل اقتصاد عالمي يعتمد على الوقود الأحفوري لخدمة ملايين الناس دون رفض سياسي ليس بالأمر السهل، ومع ذلك تبدو المشكلة هذه الأيام أكثر تعقيدًا.

في 29 يوليو الماضي، ومن ضمن جهود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تقليل انبعاثات الغازات، أعلنت وكالة حماية البيئة الأميركية أنها سوف تتخلى عن سلطتها الأساسية في تنظيم غازات الاحتباس الحراري، وهذا يأتي متوافقاً مع هجمات البيت الأبيض على علوم المناخ والباحثين في هذا المجال.

وفي أوروبا زادت الحرب في أوكرانيا من ميزانيات الدفاع، مما أدى إلى تقليل الإنفاق على السياسات الخضراء التي تواجه أيضاً معارضة سياسية متجددة. ويعتقد بعض الناخبين على ضفتي المحيط الأطلسي أن تكلفة خفض الانبعاثات باس فيه جداً.

وفي الدول النامية التي كانت تاريخيا تصدر انبعاثات أقل، ينظر الكثيرون بازدراء إلى السياسات الخضراء التي يرونها غريبة وغير مبالية بحاجاتهم المحلية الماسة للطاقة. وعندما لاحظت الشركات العالمية تغير الجو السياسي، تراجعت عن اهتمامها بالبيئة.

رغم أن بعض الشركات لا تزال تعمل على القضايا البيئية، فإن العالم لا يزال يتمتع بإمكانية تقنية لإزالة الكربون من قطاع كبير من اقتصاده. ومن حيث التكاليف، فإن الطاقة النظيفة في تراجع مع زيادة الطلب، وهذا جيد لكن المشكلة الأساسية تكمن في السياسة.

الهدف الطموح الذي يحاول البعض الوصول إليه هو "صفر كربون"، وهو يرتبط بإنهاء الاحترار العالمي ويتطلب خفض انبعاث غازات الدفيئة للغلاف الجوي. المنطق بسيط لكن الترويج له يتطلب استراتيجيات سياسية مدروسة.

المشكلة تكمن في أن المنطق السياسي يختلف تمامًا، فالقول بتخفيض انبعاثات الكربون إلى الصفر يعد هدفًا نبيلًا، لكنه يتطلب الألتزام التام من الدول. لكن الوصول إلى هذا الهدف في المستقبل القريب يتطلب خفضًا سريعًا وعميقًا ومؤلمًا في الانبعاثات وهو أمر يصعب القبول به سياسيًا.

بالنسبة للدول التي لم تشهد حتى الآن انخفاضًا في الانبعاثات، يجب أن تأتي التخفيضات الكبيرة في وقت مبكر، وهي تحديات صعبة لا يمكن تصور تنفيذها سياسياً في كثير من الحالات.

إذا كان الهدف صعبًا للغاية لدرجة لا يمكن الموافقة عليه، فيجب إيجاد طريق بديل. ومن غير الجائز أن تتخلى الدول الغنية عن أهداف خفض الانبعاثات بشكل قاطع لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية. لذا فإن التعديلات وتحديد أهداف قابلة للتطبيق قد تكون الطريق للأمام.

بعض صناع القرار يفهمون هذه المعادلة المعقدة، فقد أدرك رئيس وزراء كندا والخبير الاقتصادي مارك كارني أن الطريق الأكثر فعالية في العديد من الحالات لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري هو فرض ضرائب لكن الناخبون لا يحبونها. لذا، تم تعديل بعض قوانين الكربون لتكون أقل تأثيرًا على الأفراد.

بدلاً من فرض رسوم مباشرة على التلوث، قامت بعض الحكومات بتشجيع المبادرات البديلة التي أثمرت بنجاح. أدى ذلك إلى تقليل تكاليف الطاقة وزيادة إنتاجها، مما جعله متاحاً على نطاق أوسع.

في أميركا، بعد فترة من إنفاقها الكبير على التغيير، لا يزال من المتوقع أن تشهد انخفاضًا في الانبعاثات، حتى لو كانت بمعدل أبطأ من المتوقع.

مع ذلك، فإن الدعم يظل يؤثر في الأسواق، ويخفض الانبعاثات بكلفة أقل من فرض رسوم الكربون الاعتيادية. من الحكمة فرض رسوم على الإنبعاثات عندما يكون ذلك ممكنًا سياسيًا.

يجب على الحكومات أيضًا التخلي عن الدعم المضر بالمناخ مثل دعم الوقود الأحفوري، وتوفير محفزات لتحفيز التغيير نحو الطاقة النظيفة.

يجب أن تقوم الحكومات بجهد أكبر لخفض المعاناة التي تسببها عملية إزالة الكربون على الناس العاديين، ولا تُجبرهم على تغيير نظامهم اليومي بشكل مفاجئ.

ينبغي أن تساهم في التحول إلى السيارات الكهربائية عن طريق توفير البنية التحتية اللازمة لها، وتسهيل عمليات الاستيراد من الصين للمساهمة في تخفيف معاناة الناس وتكييفهم مع التغييرات.

واجهت الشعبوية الفرنسية في مباراة الانتخابات تحديات عندما شكت من النخبة الفرنسية الذين يمتلكون مكيفات الهواء، فيما يعاني عموم الشعب من ذلك. بينما في أميركا، حتى مع وجود ترامب في السلطة، هناك دعم لتقنيات الطاقة النظيفة.

ومع ذلك، فإن الحرب التي شنتها الإدارة الأميركية على العمل المناخي يمكن أن تترك البلاد في وضع سيء في وقت تتزايد فيه احتياجات الطاقة.

الصين التي تتزايد قوتها بشكل مستمر، تصدر انبعاثات تفوق بكثير أوروبا وأميركا مجتمعتين، مما يثير استياء الناخبين الغربيين الساخطين.

البعض لا يعتقد أن أهداف "صفر كربون" الصارمة التي تتبناها بعض الحكومات تصب في مصلحتهم، أو أنها ستفيد الآخرين على الإطلاق.


مواد متعلقة