باتاز الذهبية: كنز دفين يشعل صراعاً دامياً في جبال البيرو

الخميس 12 يونيو 2025 - 04:39 ص

باتاز الذهبية: كنز دفين يشعل صراعاً دامياً في جبال البيرو

ناصر البادى

عميقًا في جبال الأنديز في شمال البيرو، تدور معارك خفية ودموية من أجل الذهب، حيث أصبحت الثروة المعدنية نِعمة ونقمة في ذات الوقت. في قرية باتاز المليئة بالمعادن الثمينة، والموجودة على بُعد 200 كيلومتر تقريبًا من مدينة تروجيو، ثالث أكبر مدن البيرو، قامت اشتباكات بين عصابات مسلحة وعمال مناجم غير شرعيين وشركات تعدين مرخصة تحت تأثير ارتفاع أسعار الذهب لأرقام قياسية تزيد عن 3000 دولار للأونصة.

لكن النزاعات لا تنشب على السطح، بل في شبكة معقدة من الأنفاق تمتد لأميال داخل جبال باتاز. في نهاية مايو الماضي، عُثرت على جثث 13 عنصر أمن مقتولين بالرصاص وأيديهم مقيدة، تظهر عليهم آثار تعذيب في أحد أنفاق المناجم التابعة لعامل منجم مرتبط بشركة بوديروسا، التي تُعَد أكبر شركة تعدين في تروجيو.

هذه الحادثة الوحشية دفعت الحكومة البيروفية لإعلان حالة الطوارئ، وإرسال مئات الجنود والشرطة إلى مقاطعة باتاز، وفرض حظر مؤقت على التعدين باستثناء شركة بوديروسا.

وعلى الرغم من الإجراءات الصارمة، قال سكان المنطقة إن تلك الحادثة ليست إلا قمة جبل الجليد في صراع طويل ومدمر خلف العديد من الضحايا الذين "اختفوا" في شبكة من أكثر من 450 نفقًا تحت الأرض.

في عمق قدره 500 متر داخل أحد المناجم، خرج ثلاثة رجال مسلحين من الظلام للتحدث إلى صحافيين من صحيفة غارديان. قائد المجموعة المسلحة قال: "نحن نعيش في لحظات من الرعب". وعند سؤاله عن عدد المعارك التي خاضوها قرابة السنوات الأخيرة، أجاب: "هناك العديد من المواجهات والكثير من رفاقنا العسكريين قُتلوا".

وأوضح أن عمل العصابات المسلحة يشمل سرقة المناجم من صغار العمال أو إعادة السيطرة على المناجم المسروقة من أصحابها الشرعيين.

يبدو أن استخدام الأسلحة النارية تحت الأرض أمر لا مفر منه. المسلحون يستخدمون طرقًا مختلفة للهجوم، مثل سرقة المعادن عبر حفر أنفاق أو اقتحام المنجم من مداخل أخرى.

العصابات غالبًا ما تحرق الإطارات وتضخ الدخان في الأنفاق لطرد العمال أو مهاجمة حراس الأمن، كما حدث في الحادثة المأساوية التي راح ضحيتها 13 رجل أمن.

أحد الحراس يقول: "نحن أشبه بالعائلة"، متحدثًا عن زملائه الجنود الذين يرتدون أحذية مطاطية وسترات واقية تحت تسريب المياه من سقوف الأنفاق الصخرية.

هذا الحارس لا يعلم الكثير عن أسعار الذهب العالمية، لكنه يدرك أن أجره أكبر مما يحصل عليه عامل المنجم وأكثر من العمل في تروجيو. وبرغم خوفه، إلا أن الأجر الذي يحصل عليه يكفي لإعالة عائلته.

يقول أنه بالرغم من كل المخاطر، فإن الذهب هو كل شيء هنا في باتاز، حيث تعتبر الأرض مليئة بالثروات التي تزيد من دوافع العنف.

كانت شركة بوديروسا تمتلك امتياز تعدين لأربعة عقود من الحكومة، والذي يغطي قسماً كبيراً من المقاطعة. جيولوجيًا، كانت جبال باتاز مليئة بعروق الذهب الغنية.

رئيس جمعية التعدين الحِرفي، خوسيه توريفا، صرّح بتحمس أمام حشد كبير: "أينما تحفر تجد الذهب هنا".

توريفا يُحقق معه الآن بتهمة التعدين غير القانوني، إلا إنه يدافع عن التعدين "الحِرفي"، قائلاً أن الاقتصاد يعتمد عليهم، ويصرخ وسط حشد السكان.

هذه الكلمات كانت تُردد وكأنها اعتراف بأنهم لا يحصلون على حقوقهم الأساسية في العمل.

التحقق الرسمي لتعدين الذهب معروف بحروفه الأولى "رينفو"، وبتحقيقه يصبح بإمكان العامل تسويق الذهب لشركة بوديروسا.

رغم عقد من الزمن، فقط 2% من عمال المناجم البالغ عددهم 84 ألف مسجلين بشكل رسمي، وتُلزمهم الحكومة بدفع الضرائب واستخدام تقنيات تعدين صديقة للبيئة.

في الشهر الماضي، ألغت الحكومة وضعية 1425 عامل منجم في باتاز من سجل "رينفو"، ما يعني إيقاف قدرتهم على بيع خام الذهب لشركة بوديروسا بصورة شرعية.

التعدين من دون تصريح حكومي شائع، والعديد من العمال غاضبون، مثل براندون سالدانا، البالغ من العمر 29 عامًا، الذي يعاني من عدم اعتراف القانون بصاحب العمل رغم دفع الضرائب.

براندون وزملاؤه المدخنين يقولون أن الجميع يصنفهم كمجرمين، وأنهم ليسوا كذلك. بعضهم يعمل مع العصابات الإجرامية لتحقيق دخل أكبر.

خلال جائحة كورونا استولت العصابات المسلحة على مناجم الذهب في البيرو، وذلك في ظل الضغط الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة.

تمثل باتاز حتى وقت قريب نموذجاً مثالياً للقرى الأنديزية. ديميشا جايمي، البالغة 80 عاماً، تتمنى أن تعود باتاز إلى هدوئها السابق.

تقول جايمي إن الحياة قد تغيرت بشكل كامل، حيث لم يعد هناك أمان ولا ثقة. يختفي العديد من الأشخاص، وكل يوم يشهد وفيات جديدة.

كانت القرية تحتوي في السابق على كنيسة بيضاء من الحقبة الاستعمارية، ولكنها الآن تحولت إلى نقطة تجمّع لسيارات الدفع الرباعي الجديدة.

تؤكد شركة بوديروسا عدم صلتها بمقتل الرجال الـ13، مشيرة إلى أن الضحايا كانوا يعملون لشركة غير مسجلة تابعة لشركة ليبمار.

ليبمار تبيع الذهب لشركة بوديروسا التي تشتري من 280 منجماً مسجلاً في المقاطعة، وتقوم بتكريره وبيعه في الخارج.

مدير الشركة، بابلو دو لا فلور، يقول أن حماية الأمن مستحيلة بسبب الحجم الضخم للعنف، على الرغم من توظيف 1200 حارس أمن.

شركة بوديروسا عبرت عن تعازيها للضحايا، وتقول إنها تتواصل مع شركة ليبمار لضمان حصول العائلات على الدعم اللازم.

باتي كارانزا، أرملة أحد الضحايا، تقول إنها لم تتلق أي اتصال من بوديروسا، وأنها تواجه مكالمات مجهولة تهددها بالصمت.

ابنتها البالغة ثلاث سنوات لا تعرف أن والدها لن يعود. كارانزا تعيش في حي فقير في تروجيو، وما زالت تبني منزلها.

ميغيل أنطونيو رودريغز، المتهم بقيادة الهجوم المميت، اعتقل وتم حبسه احتياطيا لمدة ثلاث سنوات.

مصير العديد من ضحايا هذا الصراع يبقى مجهولا في متاهة نتائج العنف والفوضى المدمرة.


مواد متعلقة