تحرر أوروبا من النفوذ الأمريكي يستلزم تجاوز تاريخ الاستعمار والغرور

السبت 03 مايو 2025 - 04:48 ص

تحرر أوروبا من النفوذ الأمريكي يستلزم تجاوز تاريخ الاستعمار والغرور

ناصر البادى

في السنوات الأخيرة، شكّلت حروب التعرفات التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي. وكشفت هذه الحروب عن نوايا واضحة لتقويض العلاقات بين ضفتي الأطلسي، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في مكانته الدولية.

بالرغم من السلبيات المحتملة لهذه السياسات، فقد سلّطت الضوء على أهمية تحقيق استقلالية أوروبا عن الولايات المتحدة والتحرر من التبعية الاقتصادية لها. يملك الاتحاد الأوروبي شبكة واسعة من الاتفاقيات التجارية والمساعدات مع نحو 70 دولة، مما يمنحه الفرصة ليكون لاعباً دولياً فاعلاً.

ومع ذلك، لتحقيق هذا الهدف يجب على الاتحاد الأوروبي التحرر من إرثه الاستعماري ومن النزعة الأوروبية المتعالية. كما ينبغي للاتحاد أن ينأى بنفسه عن السياسات التي تُغضب العديد من دول الجنوب العالمي بسبب المعايير المزدوجة التي يُعامل بها الآخرون.

أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن توجهات لبناء اتحاد أوروبي قادر على صياغة نظام عالمي مختلف. أشارت إلى أن الغرب كما نعرفه قد انتهى، ما يفرض على أوروبا التكيف مع نظام عالمي أكثر تعقيداً.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعا مراراً إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي. حتى المستشار الألماني المحافظ فريدريش ميرتس أكد ضرورة تحرر أوروبا من التبعية للولايات المتحدة، يأتي هذا في ظل تأييد شعبي متزايد لفكرة الاتحاد الأوروبي كقوة عالمية.

بعض دول الاتحاد الأوروبي - كإيطاليا وهنغاريا وبولندا ودول البلطيق - لا تزال تتمسك بالعلاقات الحمائية مع الولايات المتحدة، ما يثير تساؤلات حول الوحدة داخل الاتحاد. أثارت انتقادات وزير الخارجية الهندي، سوبرا مانيام جايشانكار، جدلاً، حين قال بعد اندلاع حرب أوكرانيا أن أوروبا تفترض أن مشاكلها هي مشاكل العالم.

يشعر العديد في دول الجنوب العالمي بالإحباط من مواقف الاتحاد الأوروبي التي تظهر منحازة. يذكر أحد الباحثين من جنوب إفريقيا أن الاتحاد يحتفظ بمواقف ذات جذور استعمارية. بالرغم من ذلك، يتمسك الاتحاد الأوروبي بقواعد التجارة العالمية، ويظل الاقتصاد الأوروبي يسجل نمواً متواضعاً.

تقول فون دير لاين، أن العالم يسعى لإيجاد فرص عمل آمنة مع أوروبا المتمسكة بسيادة القانون، بينما يثير ترامب الفوضى في الأسواق العالمية. إلا أنه بعد سنوات طويلة من متابعة السياسات الأوروبية تجاه دول الجنوب، من الواضح أنهم بحاجة للتوقف عن التعامل بفوقية مع الآخرين.

على الاتحاد الأوروبي الإصغاء للشعوب المضطهدة التي عانت جراء الاستعمار الأوروبي. بالإضافة إلى حماية التجارة، لدى الاتحاد فرصة لإعادة تقييم مصداقيته في القوة الناعمة التي تشوهت حالياً بتصاعد العنصرية والكراهية ومعاداة السامية، وبتراجع دعم حقوق المرأة.

بعد سنوات من المفاوضات، تبدو اتفاقيات الاتحاد الأوروبي التجارية الجديدة مع إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والهند مدعاة للتفاؤل. لكن هناك شعور بالريبة في بعض الدول تجاه نهج أوروبا المتعالي، بسبب الفرضية أن معاييرهم أعلى من تلك التي تمتلكها هذه الدول.

إندفاع الاتحاد لإبرام صفقات مع دول إفريقية غنية بالموارد، يثير المخاوف من تكرار نمط "الاستغلال الاستعماري"، ويرجع هذا القلق لجوانب الاقتصاد الأخضر. وهذا يفسر مقاومة إندونيسيا وبعض الدول الإفريقية للممارسات الأوروبية.

منذ أن أوقفت إدارة ترامب دعم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، يكافح الأوروبيين للحفاظ على تمويل الدول الأكثر هشاشة. لكن ليس هناك أمل كبير بذلك عندما تعاني حكومات دول الاتحاد من مشكلات اقتصادية وتُقلِّص ميزانياتها للتنمية.

في الوقت الذي يتم فيه لجم الهجرة لأوروبا، تثير استراتيجيتها مع الاعتماد على دول الجوار لصدى عبور المهاجرين صراعاً عنصرياً. تجلت العديد من الحالات في الطريقة التي تم التعامل بها مع اللاجئين.

وضعت الدول العضوية في الاتحاد الأوروبي نفسها في موقع صعب جراء الدعم المحدود لحقوق الإنسان. وفي الوقت ذاته، تساءل الأوروبيون عن فوائد استمرار الاعتماد على الولايات المتحدة.

تعيش أوروبا فرصة نادرة لإعادة تقييم سياساتها ومعالجة القضايا الداخلية والخارجية التي تؤثر على سمعتها. هذه الفرص قد تساعد في تشكيل كيان أوروبي ذو مصداقية على الساحة العالمية، وتقدم بديلاً للعالم عما يفعله ترامب.

نهج الاتحاد الأوروبي القوي في التعامل مع دول الجنوب العالمي قد يساهم في الاستقرار الجيوسياسي بمنطقة مضطربة، لكنه سيتطلب أكثر من مجرد بيانات فون دير لاين وتصريحات أخرى.

صياغة نهج جديد يتطلب الاستثمار في تعزيز حقوق المرأة ومعالجة القضايا الاجتماعية. حاولت مفوضة المساواة في الاتحاد الأوروبي تعزيز حقوق المرأة، لكن لم يتم اتخاذ إجراءات مهمة لإحياء قانون مكافحة التمييز.


مواد متعلقة