الروسيات بين الخوف والأمل بانتظار عودة الأزواج من أوكرانيا

الخميس 08 مايو 2025 - 07:23 ص

الروسيات بين الخوف والأمل بانتظار عودة الأزواج من أوكرانيا

منى شاهين

صورة المرأة المتفانية التي تنتظر زوجها في الحرب تعد جزءاً من تقاليد الثقافة الروسية، وتضفي عليها لمسة رومانسية مألوفة في المجتمع، حيث نجد ذلك في أغاني الحقبة السوفييتية مثل أغنية (كاتيوشا)، وفي الأفلام السينمائية التي تسلط الضوء على معاناة زوجات الجنود وصبرهن على فراق الزوج.

في الماضي، كانت النساء ينتظرن الرسائل المكتوبة من أزواجهن بأمل وشوق، أما اليوم، فيمكنهن إجراء مكالمات الفيديو وتبادل الرسائل عبر تطبيق «واتس أب» مع أزواجهن الذين يقاتلون في أماكن مثل أوكرانيا. يقوم البعض بذلك بمشاعر فخر، بينما ينتاب الخوف آخرون، في حين يشعر الكثيرون بمشاعر مختلطة يصعب عليهم التعبير عنها.

في الوقت الراهن، تعزز وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الصورة عن الزوجات اللواتي ينتظرن بأمل عودة أحبائهن إلى الوطن، وتشجع النساء على دعم أزواجهن بشجاعة وبدون تردد. ومع ذلك، فإن الصورة التي يبدو أنها مصقولة ومثالية، تخفي وراءها حقيقة معقدة ومشاعر عديدة مختلفة.

تجارب

تحدثت ثلاث نساء لصحيفة «موسكو تايمز» عن تجاربهن كزوجات لجنود يعملون في أوكرانيا، وكل واحدة منهن تقوم بإدارة مدونة على منصة «إنستغرام»، حيث يشاركن أفكارهن ومشاعرهن مع جمهور كبير من المتابعين.

من خلال آرائهن المختلفة، ينعكس مجتمع يمجد الحرب ويهابها في الوقت ذاته، فالانتظار هو مصدر للفخر وفي نفس الوقت للمعاناة الشخصية، وقد فضلن عدم الكشف عن هوياتهن للحفاظ على سلامتهن.

صوت واثق

في تومسك، تلعب (آنا - 27 عاماً)، دور زوجة ضابط بتفانٍ وتلتزم بكامل الواجبات، حيث يخدم زوجها في أوكرانيا منذ سبعة أشهر. على عكس الكثيرين، تتجنب آنا قراءة الأخبار.

تقول بصوت واثق: «لست بحاجة لمعرفة ما يحدث.. زوجي يخبرني بكل ما أريد معرفته.» وتضيف: «أنتظر مكالماته وهذا يكفي بالنسبة لي.»

بعد فترة قصيرة من ذهاب زوجها إلى ساحة المعركة، أطلقت آنا مدونة على «إنستغرام» لتشارك قصص الثبات والفخر الوطني. في منشوراتها، تكتب عن افتقادها لزوجها، لكنها تشعر أيضاً بالفخر لأنه «يدافع عن روسيا». عندما سُئلت عن من يدافع بالتحديد، قالت ببساطة: «الروس في أوكرانيا».

تقول كل ليلة، أشعل شمعة وأدعو له من كل قلبي، مقتنعة بأن ما يفعله هو الصواب. ترى آنا أن الانتظار هو جبهة أخرى من واجباتها في المنزل.

تعتبر آنا انتظارها واجباً، تماماً كما تعتبر خدمة زوجها كذلك. فهي لا تعمل لأن دخل زوجها كافٍ لها، وترى أن زوجة العسكري ليست مجرد دور، بل هوية.

تتحدث آنا بإعجاب عن روسيا، وتصفها بأنها «أفضل دولة في العالم». بالنسبة لها، الإيمان بروسيا لا يتزعزع.

نبرة استسلام

بالنسبة لـ(يوليا - 24 عاماً)، التي تعيش في سانت بطرسبرغ، فإن التجربة مختلفة، حيث لم ترَ في أي وقت رغبة في أن يوقع زوجها عقداً مع الجيش.

تقول بنبرة استسلام: «طلبت منه ألا يفعل ذلك، ولكنه لم يستمع إلي، كان يريد تسديد قرضنا العقاري بسرعة.»

قبل التحاقه بالجيش، كان زوج يوليا يعمل كفني كهربائي براتب يبلغ 735 دولاراً شهرياً، ثم تلقى مكافأة قدرها 22 ألف دولار عند توقيع العقد.

تدير يوليا مدونة تحاول فيها الحفاظ على نبرة إيجابية من خلال إطلاق النكات عن كونها «زوجة عسكرية» وتحاول نشر صور ساخرة. ولكن خلف هذه الشخصية الافتراضية، تواجه يوليا العبء العاطفي المترتب على وضعها.

تُقر قائلة: «أمزح بشأن الأمر عبر الإنترنت، لكن أبكي ليلاً، وأشعر بالرعب كلما رن الهاتف، أخشى أن أستلم مكالمة تخبرني أنه قتل أو أصيب.»

تتذكر آخر محادثة لهما قبل رحيله، حين أمسك زوجها وجهها بيديه وقال: «هذا من أجلنا، من أجل مستقبلنا،» لكنها تتساءل: «أي مستقبل سنحظى به إذا لم يعد؟ أشعر أحياناً وكأنني أتدرب كيف أكون أرملة.»

تعترف يوليا بأن محاولة فهم ما يدفع الرجال إلى الحرب تشكل تحدياً كبيراً لها. تقول: «بالنسبة لهم، ربما يتعلق الأمر بالشرف، وربما يرجع إلى طبيعة ذكورية عميقة. لا أدري، أحاول أن أكون داعمة، لكن الأمر صعب.»

رغم مخاوفها، تشعر يوليا بأنها محاصرة في دوامة الانتظار، ترى الحرب كتجربة لا يمكن الهروب منها، بغض النظر عن مدى محاولتها الحفاظ على «وهم الحياة الطبيعية».

معاناة شخصية

لم تكن (ماريا - 31 عاماً) ترغب يوماً في أن يذهب زوجها إلى الحرب. كان زواجهما مبنياً على القيم المشتركة، وتعرض للاهتزاز عندما غيّر زوجها موقفه من الصراع. وتقول بصوت مشوب بالمرارة: «كنا نعترض على الصراع منذ البداية، حتى فكرنا في الهجرة، لكن زوجي غيّر موقفه مع الوقت.»

عندما وقّع زوجها عقداً مسلحاً، شعرت ماريا بالدمار. تضيف: «تجادلنا بشدة وتوسلت إليه ألا يذهب، ولكنه لم يسمع. الآن يتساءل زملائي في العمل عن السبب الذي جعلني أتركه يذهب، كما لو كان لدي خيار آخر.»

بعد رحيله، دخلت ماريا في حالة اكتئاب. وتقول: «أصبت بانهيار عصبي كامل، والآن أتناول مضادات الاكتئاب.»

قبل الحرب، كان الزوجان يخططان لإنشاء أسرة كبيرة، لكنها الآن تشعر بالارتياح لأنهما لم يفعلا. وتعلق: «لا أستطيع تخيل تربية طفل في هذا الوضع الكارثي.» أكثر ما يقلق ماريا ليس فقط الانتظار بل ما سيحدث بعده، وبصفتها طبيبة نفسية، تدرك التأثير العميق للحرب على النفس البشرية.

رموز للقوة والوطنية

لا تتشكل تجارب كل امرأة من زوجات الجنود الروس في أوكرانيا فقط من خلال علاقاتهن، بل أيضاً من السرديات الأوسع التي تُبنى حولهن. تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في الحفاظ على صورة الزوجة المخلصة تجاه الوطن.

تحتفي قنوات «تليغرام» المؤيدة للكرملين ومؤثرو «إنستغرام» بهؤلاء النساء، يعتبرونهن رموزاً للقوة والوطنية. المبادرات المدعومة من الحكومة تشجعهن على دعم أزواجهن أيضاً من خلال تنظيم فعاليات وتوزيع أوسمة على الزوجات المثاليات.

والتوقعات واضحة: عليهن الانتظار، وعليهن القيام بذلك بفخر. ومع ذلك، تحت هذه الواجهة الجميلة، يعاني الكثيرون من الحوافز الاقتصادية التي تجبر الرجال على التجنيد تاركين عائلاتهم في اضطراب عاطفي.

تقديس الانتظار لا يترك مجالاً للشك أو الخوف أو الحزن، وبالنسبة للزوجات التي تعارض الحرب علناً، العزلة قد تكون لا تحتمل.

حالة من الذعر

«ماريا » تعاني العزلة بسبب غياب زوجها. تحكي ماريا، زوجة أحد الجنود الروس في أوكرانيا، وتقول: «أعرف ما يمكن أن يفعله القتال بالإنسان»، وتضيف:


مواد متعلقة