التحولات في السياسة الأمريكية تهدد استقرار آسيا وتحرك الغرب

الأحد 28 سبتمبر 2025 - 06:41 ص

التحولات في السياسة الأمريكية تهدد استقرار آسيا وتحرك الغرب

ناصر البادى

تشير التحركات الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى تغيّر محتمل في الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة. تتضمن هذه الاستراتيجية نية واشنطن الانسحاب تدريجياً من التزاماتها في نصف الكرة الأرضية الشرقي.

هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التوجهات تشمل انسحاباً فعلياً للنفوذ الاستراتيجي الأميركي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

حدوث هذا الانسحاب سيكون له آثار كارثية على استقرار هذه المنطقة الحيوية، بحسب الخبراء والمتابعين.

التقارير الإعلامية تشير إلى أن استراتيجية الأمن القومي المرتقبة لإدارة ترامب تختلف عن الاتجاهات التقليدية. تعطي هذه الاستراتيجية الأولوية لحماية الأمن الداخلي ومجابهة التهديدات في الغرب.

يبدو أن هناك تجاهل إلى حد كبير للتحديات القادمة من الصين. هذه الاستراتيجية تأتي في أعقاب سلسلة من التصريحات والإجراءات من واشنطن.

تسعى واشنطن لتعزيز نفوذها داخل محيطها الجغرافي، وهو ما يبدو جلياً من اهتمامها بمناطق مثل كندا وغرينلاند وقناة بنما.

هناك أيضاً خطوات مثل إعادة تسمية «خليج المكسيك» إلى «خليج أميركا»، وإرسال سفن حربية إلى سواحل فنزويلا. تهدف هذه التحركات إلى الضغط على حكومة نيكولاس مادورو.

في أوروبا، تراجع البيت الأبيض عن لعب دور القيادة التقليدي الذي تبنته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

واشنطن تراجعت عن التزامها الكامل بحلف شمال الأطلسي "الناتو" وأظهرت فتوراً في مواجهة روسيا وسط الحرب في أوكرانيا.

كما قررت واشنطن وقف تمويل البرامج التي تهدف إلى تعزيز قدرات أوروبا الدفاعية أمام التهديدات الروسية.

هذا التغيير ليس سياسياً وحسب، بل هنالك انقسام أيديولوجي متزايد بين واشنطن وباقي أعضاء الناتو.

تغير التوجه الاستراتيجي يعكس رغبة متزايدة في تمركز الولايات المتحدة داخل نطاقها الجغرافي.

التخلي عن دورها كـ"شرطي عالمي" وترك إدارة الأزمات الإقليمية للقوى المحلية الكبرى يثير تساؤلات حول مستقبل التزامات واشنطن في آسيا.

هناك من يعتقد بضرورة استمرار التنافس مع الصين على النفوذ الاستراتيجي.

رغم الحديث عن الانسحاب، توجد بعض مظاهر الاستمرارية في سياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا.

واشنطن على تعاونها الأمني مع حلفائها في المنطقة، وتعزز قدراتهم الدفاعية للمشاركة في تحالفات مستقبلية.

تم توقيع اتفاقيات أمنية جديدة مع دول كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. هذه الاتفاقيات تساعد في تعويض التراجع في قدرات الصناعة الدفاعية الأميركية.

اعتبر عدد من كبار المسؤولين الأميركيين أن هناك ضرورة للتصدي لمحاولات الصين فرض هيمنتها في آسيا.

وفي الوقت نفسه، هناك تردد في إدارة ترامب بشأن فرض النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة.

العلاقات مع الحلفاء تُعتبر أصولاً استراتيجية مهمة، لكن غالباً ما يُنظر إليها في واشنطن كأعباء اقتصادية.

رغم أهمية التعاون العسكري مع حلفائها في آسيا، يشعر ترامب بالضيق من التكاليف المرتبطة بهذا التعاون.

ينظر إلى كوريا الجنوبية واليابان وتايوان على أنها تستفيد من المظلة الدفاعية الأميركية دون تقديم مقابل كافٍ.

ويعتبر التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية "مضيعة للمال".

تحدث ترامب عن رغبته في سحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية، على أمل الحد من استفزاز كوريا الشمالية.

على الصعيد الاقتصادي، يظهر أن سياسة ترامب تميل لتقديم المصالح الاقتصادية على الحسابات الاستراتيجية.

فرضت إدارته رسوماً جمركية على حلفائها في آسيا، بما في ذلك أستراليا التي تحقق فائضاً تجارياً لصالح الولايات المتحدة.

هناك خلاف مفاجئ مع الهند أدى إلى تقويض جهود بناء شراكة استراتيجية مع نيودلهي.

هذا الخلاف دفع رئيس الوزراء الهندي مودي للتقارب مع الصين وروسيا.

السبب الأهم وراء الانسحاب الأميركي المحتمل من آسيا هو رغبة ترامب في التوصل إلى صفقة تجارية ضخمة مع الصين.

التهديد بإنهاء ممارسات أميركية مثل دوريات حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان قد يُستخدم كوسيلة ضغط.

قد تمنح هذه السياسات ترامب نفوذاً هائلاً للمطالبة بتنازلات من الصين تؤدي لنصر اقتصادي يعتبره فرصة.

إذا تحقق هذا السيناريو، من المحتمل أن تضع الصين تايوان تحت سيطرتها سواء عبر المفاوضات أو من خلال ضغوط عسكرية.

هذا السيناريو سيدفع الدول في المنطقة إلى إعادة تقييم مواقفها وبناء علاقات أوثق مع الصين.

من المحتمل أن ينهار التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، ما قد يجعل سيول تطور ترسانتها النووية.

ورغم العوائق الكبرى، قد يكون هذا الخيار مقبولاً في ظل التهديد النووي المستمر من كوريا الشمالية.

قد تدفع هذه الإجراءات كوريا الشمالية لمحاولة عرقلة الخطط النووية لجارتها الجنوبية، مما يزيد من التوتر.

اليابان قد تتجه نحو تطوير ترسانة نووية أيضاً، لاسيما إذا انسحبت الولايات المتحدة من التزاماتها الدفاعية تجاه طوكيو.

تدّعي الصين أن انسحاب النفوذ العسكري الأميركي سيجلب السلام إلى آسيا، وقد يكون هناك فرصة لاختبار هذه الفرضية قريباً.

ترك القوى الإقليمية تدير شؤونها بنفسها يفترض أن يُفضي إلى عالم أكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية.

الافتراض أن العالم سينعم بالسلام مع انسحاب الولايات المتحدة من دورها الأمني العالمي قد يكون مجرد نظرية.

لكن التاريخ يُظهر أن ترك الساحة للقوى الإقليمية المتنافسة من دون توازن خارجي يؤدي غالباً إلى الفوضى.

استراتيجية الأمن القومي لترامب تركز على حماية الأمن الداخلي ومواجهة التهديدات في الغرب، متجاهلة تهديدات الصين.


مواد متعلقة