الطلاب الإسبان يواجهون التكنولوجيا بحذر ويرفضون الاعتماد على الذكاء الاصطناعي

الخميس 07 أغسطس 2025 - 10:40 ص

الطلاب الإسبان يواجهون التكنولوجيا بحذر ويرفضون الاعتماد على الذكاء الاصطناعي

ناصر البادى

تقول الطالبة في كلية إيمرسون بمدينة بوسطن، مونيكا ريفيرا: بدأتُ استخدام (تشات جي بي تي) في سنتي الجامعية الثانية خلال فترة عصيبة للغاية. كنت أجمع بين التدريب والواجبات والدراسة والأنشطة الأخرى. لتخفيف هذا العبء، بدأت باستخدامه في واجبات بسيطة، وشيئاً فشيئاً، أدركتُ أنه يتذكر تفاصيل أسلوب كتابتي.

وأضافت ريفيرا: أصبح عملي سهلاً كضغطة زر. وعلى الرغم من أنني نجحت في اجتياز الامتحانات، إلا أنني أدركت أنني لم أستطع تذكر آخر مرة كتبت فيها مقالاً بمفردي، وهذا كان الدافع الذي دفعني للتوقف عن استخدام التطبيق.

وموقف ريفيرا ليس الأكثر شيوعاً، لكنه ليس استثناء أيضاً، إذ يتوقف المزيد من الطلاب عن استخدام الذكاء الاصطناعي في واجباتهم. يشعرون أنه مع هذه التقنية يصبحون أقل إبداعاً ويفقدون القدرة على التفكير بأنفسهم. وتقول طالبة الإعلام في السنة الثالثة بجامعة رامون لول في برشلونة، ماكارينا غيريرو: لقد توقفت عن استخدام الذكاء الاصطناعي في واجباتي الدراسية.

وتضيف غيريرو: في الجامعة يجب أن نشجع التجريب والتعلم والتفكير النقدي، بدلاً من نسخ الأسئلة ولصقها في الآلة من دون قراءتها. نشرت شركة مايكروسوفت العالمية، دراسة أجرت فيها مقابلات مع 319 موظفاً للتحقيق في كيفية تأثير استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التفكير النقدي.

أظهرت النتائج أن مستخدمي الذكاء الاصطناعي ينتجون مجموعة أقل تنوعاً من النتائج للمهمة نفسها. وهذا يعني أن الموظفين الذين يثقون بالآلة يبذلون جهداً أقل بالإسهام في أفكارهم الخاصة. ويقول الأستاذ بجامعة فيغو في إسبانيا، فرانسيسكو كاستانيو: نحن نتحدث عن أفراد مؤهلين تأهيلاً عالياً.

أضاف كاستانيو: بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين يواجهون قيوداً عند استخدام الذكاء الاصطناعي، فإن هذه الأدوات مفيدة للغاية. وتقول فيوليتا غونزاليس، وهي طالبة دراسات عليا: عندما يمكن حل مهمة جامعية بوساطة آلة بسهولة، فهذه ليست مشكلة الطلاب، بل نظام التعليم هو المُخطئ.

وضحت غونزاليس: إذا تطلبت المهمة تفكيراً نقدياً، فستتغير الأمور. الذكاء الاصطناعي لايزال غير قادر على القيام بالعديد من المهام التي يقوم بها البشر. استجابة تشات جي بي تي تُعدّ بمثابة لوحة بيضاء للعمل عليها، إنها ليست سوى بيانات مُجمعة نستخدمها لتحديد ما يجب فعله.

على الرغم من الانتقادات، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يستخدم على نطاق واسع في الجامعات. وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة سي واي دي، يستخدم 89% من طلاب البكالوريوس الإسبان، بعض أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث أو تحليل البيانات. ويُؤكد الأستاذ في جامعة برشلونة المستقلة، توني لوزانو: هذه الأدوات تُشكّل تحدياً للنظام التعليمي.

أضاف لوزانو: يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيداً للطلاب الذين يرغبون في تحسين جودة عملهم. لكنه قد يكون ضاراً لأولئك الذين لا يرغبون في بذل الجهد. إنه مجرد أداة أخرى، مثل الآلة الحاسبة، ويعتمد الأمر كله على كيفية استخدامها. هناك طلاب يلتحقون بالجامعة للحصول على الشهادة فقط، وآخرون يأتون للتعلم.

في عصر الأتمتة يُمثّل تعزيز التفكير النقدي تحدياً للجامعات وشركات التكنولوجيا. تسعى هذه المؤسسات إلى تطوير أدوات ذكاء اصطناعي توليدية تُحفّز المستخدمين. تزعم أنها تساعدهم على معالجة مشكلات أكثر تعقيداً، ودخول سوق عمل متزايد التأثر بالذكاء الاصطناعي.

أطلقت أوبن إيه آي برنامج تشات جي تي بي التعليمي وهو نسخة من روبوت الدردشة الخاص بها للطلاب، في مايو 2024. بينما أطلقت أنتوربك برنامج كلود التعليمي، وهو نسخة من روبوت الدردشة الخاص بها، يركز على التعليم الجامعي. يطرح كلود أسئلة مثل كيف ستتعامل مع هذا؟ أو ما الدليل الذي يدعم استنتاجك؟

عندما ظهر غوغل للمرة الأولى، كانت هناك ادعاءات مماثلة حول تأثيره في الإبداع والجهد والتفكير النقدي. أكّدت ماكارينا غيريرو: هناك العديد من الاختلافات بين استخدام محرك البحث والذكاء الاصطناعي التوليدي. في محركات البحث، تُدخِل السؤال، وتتصفح صفحات مختلفة، وتهيكل إجاباتك.

تقول طالبة الإعلام بجامعة رامون لول، ماكارينا غيريرو: تتجه حالياً إلى أنواع أخرى من محركات البحث. بعد أن دمجت غوغل الذكاء الاصطناعي في محرك البحث، هناك إجابات يتم إنشاؤها تلقائياً. بدلاً من ذلك، تستخدم إيكوسيا، التي تروّج لنفسها كبديل مستدام لـ غوغل.

أعرب جميع الطلاب عن قلقهم بشأن استهلاك المياه المرتبط بكل بحث يتم إجراؤه باستخدام أداة الذكاء الاصطناعي. تقول الطالبة مونيكا ريفيرا: من أكبر القيود التي أجدها في تشات جي بي تي أنه لا يعرف كيف يقول لا. إذا لم يكن يعرف إجابة فإنه يختلق واحدة، وهذا يمكن أن يكون خطراً للغاية.

توضح ريفيرا: تختار المعلومات نيابة عنك وتفقد القدرة على اتخاذ القرار. التفكير النقدي أشبه بالتمرين، إذا توقفت عنه سينساه عقلك. دراسات علمية تأكد التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي التوليدي في الذاكرة. قال الكاتب الأميركي، نيكولاس كار: «في السابق كنت غواصاً في بحر من الكلمات، والآن أبحر على السطح

إذا كان الذكاء الاصطناعي التوليدي يجعلنا أقل إبداعاً وأكثر كسلاً، فما تأثير ذلك في أدمغتنا؟ هل ستكون لدينا جميعاً إجابات متشابهة عن أسئلة مختلفة؟ الزمن كفيل بإثبات ذلك. الخبراء لاحظوا أن تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي مفارقة مقلقة. كلما سهلت هذه التقنية تفكيرنا، قلّ استخدامنا لها.


مواد متعلقة