أوروبا وآسيا تخشيان ترتيبات أميركية غامضة مع موسكو وبكين تهدد الحلفاء

الأربعاء 17 ديسمبر 2025 - 03:46 ص

أوروبا وآسيا تخشيان ترتيبات أميركية غامضة مع موسكو وبكين تهدد الحلفاء

ناصر البادى

تشهد أوروبا حالة متزايدة من القلق إزاء احتمال عقد الولايات المتحدة تفاهمات مع روسيا على حساب حلفائها الأوروبيين، في ظل رئاسة دونالد ترامب.

وفي اليابان، يبدو القلق مشابهاً، إذ تخشى طوكيو أن تجد نفسها ضحية لتفاهم أميركي - صيني. ويكمن القاسم المشترك في القلق من أن تتفق القوى العظمى، لاسيما الولايات المتحدة والصين، على ترتيبات ثنائية تتجاهل مصالح الحلفاء الأصغر.

يبدي كثيرون تشككهم في فاعلية المجموعات الدولية متعددة الأطراف، مثل مجموعة الدول السبع الكبرى أو مجموعة العشرين. لكن القلق الحقيقي، وفقاً لهؤلاء، يتمثل في احتمال بروز صيغة أخطر: «مجموعة الدولتين»، أي تفاهم ثنائي بين الولايات المتحدة والصين.

وقد يكون إدراك هذا الأمر أحد الأسباب وراء اللقاء الدافئ الذي جمع رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايشي ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في نوفمبر الماضي، على هامش قمة العشرين في جنوب إفريقيا.

المشهد لفت الانتباه لأن الثقافة اليابانية لا تميل إلى التواصل الجسدي، ما جعل اللحظة مفاجئة ومهمة. تاكايشي واعية لأهمية التضامن النسائي في عالم سياسي يهيمن عليه الرجال، لكن التقارب استند أيضاً إلى مصالح ورؤى مشتركة.

تاكايشي وميلوني مصنفتان ضمن التيار المحافظ، وقد حظيتا بدعم من ترامب في السابق. لكن تاكايشي باتت تدرك أن المجاملات السياسية من الرئيس الأميركي ليست ذات وزن في أزمات جوهرية.

في بداية توليها رئاسة الحكومة، وجدت تاكايشي نفسها في مواجهة علنية مع الصين بعد تصريحات حول الموقف الياباني في حال غزو تايوان. التصريحات لم تكن مفاجئة، حيث أكدت أن أي هجوم على تايوان يهدد أمن اليابان مباشرة، مما يبرر تدخلاً معدنياً يابانياً بجانب الولايات المتحدة.

العلاقات الصينية - اليابانية شهدت توترات وخلافات متكررة، وكان تعليق الصين على تصريحات تاكايشي متوقعاً، فضلاً عن إلغاء الرحلات السياحية إلى اليابان وفرض قيود على واردات المأكولات البحرية اليابانية.

الأمر اللافت كان حدة الرد الصيني بغرض استغلال قلة خبرة تاكايشي السياسية. المفاجأة الأكبر كانت امتناع ترامب عن دعمها علناً، رغم اعتقاد البعض أنه غير ذو أهمية نظراً لعدم التزامه بالأعراف الدبلوماسية.

فيما يتعلق بتايوان، جاءت تصريحات ترامب متناقضة. رغم ذلك، وفرت استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة، التي نشرت في الخامس من ديسمبر، قدراً من الطمأنينة بتأكيدها أهمية تايوان الاستراتيجية.

في أوروبا، السلوك الأميركي تجاه روسيا عزز المخاوف، خصوصاً بعد قمة «ألاسكا» في أغسطس بين ترامب وبوتين، حيث اعتقد الأوروبيون أنهم أقنعوا ترامب بتبني موقف متشدد في دعم أوكرانيا.

لكن التطورات كشفت محادثات سرية بين الولايات المتحدة وروسيا منذ تلك القمة. خطة السلام، التي قدمها دبلوماسيون تابعون لترامب، تضمنت تنازلات كبيرة لصالح روسيا.

تبين أن موسكو غير مستعدة للتراجع عن شروطها المتشددة، في حين لم تُبد واشنطن رغبة حقيقية في ممارسة ضغط عليها. الدرس الواضح هو ضرورة تشكيك الحلفاء في تصريحات ترامب واستعدادهم لاحتمال إبرامه تفاهمات سرية.

في نوفمبر، أجرى ترامب اتصالاً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، ثم مع تاكايشي، طلب منها تخفيف لهجتها بشأن تايوان. رغم أن النصيحة قد تبدو منطقية لليابان، أثارت قلقاً في طوكيو حول علاقة ترامب بشي.

تجربة خطة السلام الروسية تشير إلى ضرورة أن يعيد الحلفاء الآسيويون النظر في سبل الضغط على ترامب. الخيار الواقعي يتمثل في حماية المصالح بدون الاعتماد الكامل على الدعم الأمريكي المباشر.

الاستثمار في القدرات الدفاعية من قبل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان يعتبر ضرورة ملحة، خاصة في مواجهة تسليم ديمقراطية تايوان بالقوة إلى الصين. المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، خاصة مع عدم وشيك المخاطر بما لا يترك مجالاً للاستعداد.

لا تزال هناك قوى سياسية داخل الولايات المتحدة يمكن استغلالها للحد من اندفاع ترامب نحو ترتيبات ثنائية مع الصين، إذ يتفق عدد كبير من قيادات الحزبين على أن الصين تشكل تهديداً لأمن الولايات المتحدة.

على الحلفاء التقليديين في أوروبا وآسيا أن يعملوا معاً لإقناع الكونغرس بالتصدي لتوجه ترامب نحو اتفاقات شخصية مع بوتين وشي، على حساب النظام الدولي القائم على التحالفات.

بعد قمة «ألاسكا» بين ترامب وبوتين، اعتقد الأوروبيون أنهم نجحوا في إقناع ترامب بدعم أوكرانيا، لكن اتضح لاحقاً أن واشنطن كانت تجري محادثات سرية مع موسكو.

واليابان على خوف متزايد من أن تجد طوكيو نفسها ضحية لتفاهم أميركي - صيني محتمل.


مواد متعلقة