السياسات الأميركية تفقد الدولار جاذبيته كمأوى آمن للمستثمرين

الإثنين 21 أبريل 2025 - 04:33 ص

السياسات الأميركية تفقد الدولار جاذبيته كمأوى آمن للمستثمرين

منى شاهين

من المفترض أن يشكل الدولار الأمريكي مصدر أمان للمستثمرين والأسواق، لكنه بات مؤخراً مصدر قلق. فمنذ ذروة ارتفاعه في منتصف يناير الماضي، انخفض بأكثر من 9% مقابل سلة من العملات الرئيسة. وقد حدث خمس هذا الانخفاض منذ الأول من أبريل الجاري، حتى مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لـ10 سنوات تدريجياً بمقدار 0.2 نقطة مئوية.

هذا التعاكس بين ارتفاع العائدات وانخفاض قيمة العملة يعد علامة تحذير، فالمستثمرون يهربون من أميركا رغم ارتفاع العوائد، مما يشير إلى أنهم ينظرون إليها بأنها أصبحت أخطر من حيث الاقتصاد. هناك شائعات بأن بعض مديري الأصول الأجنبية الكبار يتخلصون من الدولار الأمريكي.

لعقودٍ اعتمد المستثمرون على استقرار الأصول الأمريكية، مما جعلها ركيزة أساسية للتمويل العالمي، إذ يساعد عمق سوق بقيمة 27 تريليون دولار في جعل سندات الخزانة ملاذاً آمناً. فالدولار يسيطر على تداول كل شيء، من السلع إلى المشتقات المالية.

يدعم هذا النظام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يَعِد بانخفاض التضخم. الحوكمة الأمريكية المتينة تُرحّب بالأجانب وأموالهم، وتؤمّن لهم الأمان. ولكن في أسابيع قليلة، شكك الرئيس دونالد ترامب في هذه الافتراضات الراسخة، ليحل محلها شكوك مقلقة.

الأزمة الحالية ولدت من جراء السياسات البيت الأبيض. حرب ترامب التجارية التي وصفها البعض بالمتهورة، زادت التعرفات الجمركية بنحو 10 أضعاف وخلقت حالة من عدم اليقين الاقتصادي. الاقتصاد الأمريكي الذي كان يثير حسد العالم، أصبح الآن على وشك الركود.

تُمزق التعرفات الجمركية سلاسل التوريد وتزيد التضخم وتعاقب المستهلكين. الوضع المالي الأمريكي يزداد سوءاً، وربما أسوأ وضع له في التاريخ، إذ بلغ صافي الديون نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي وعجز الموازنة في السنة الماضية بلغ نسبة مذهلة 7%.

رغم ذلك، يحاول الكونغرس تجديد التخفيضات الضريبية التي وافق عليها ترامب في ولايته الأولى. ففي 10 أبريل، وافق الكونغرس على مخطط ميزانية قد يضيف 5.8 تريليونات دولار إلى العجز خلال العقد المقبل وفقاً للمؤسسة الفكرية من أجل ميزانية فيدرالية مسؤولة.

سيزيد ذلك العجز بنقطتين مئويتين إضافيتين. ويتجاوز القيمة الإجمالية لتخفيضات الضرائب التي أقرها ترامب في ولايته الأولى، وكذلك الإنفاق الإضافي خلال جائحة «كوفيد-19» وفواتير التحفيز والبنية التحتية التي أقرها الرئيس السابق جو بايدن.

انكماش الاقتصاد وفقدان الانضباط المالي مُقلق، خاصة مع بدء تشكيك الأسواق في قدرة ترامب على حكم أميركا بكفاءة وثبات. الطريقة الفوضوية في حساب الرسوم الجمركية والكشف عنها، ثم تأجيلها 90 يوماً، كانت تستهزية بصناعة السياسات.

هذه الرسوم الجمركية المتقطعة تعزز جماعات الضغط. لعقود، أعلنت أميركا التزامها بالحفاظ على قوة الدولار، لكن الآن يتحدث مستشارو البيت الأبيض عن العملة الاحتياطية وكأنها عبء.

هذا الوضع يضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط كبير. قد يضغط ترامب على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة. من المرجح أن تمنعه المحاكم من إقالة محافظي "الاحتياطي الفيدرالي" بشكل حر، لكنه سيتمكن من ترشيح رئيس جديد "للفيدرالي" في 2026.

وفي هذه الأثناء، سياسات أخرى لترامب، مثل نقل المهاجرين غير الشرعيين بدون محاكمة، قد تجعل المستثمرين يعتقدون أن حقوق الدائنين الأجانب مهددة ولن تكون مضمونة من الحكومة. هذا يزيد المخاطرة على الأصول الأمريكية.

سوق السندات يمكن أن يواجه أزمة شاملة. الأجانب يمتلكون 8.5 تريليون دولار من الديون الحكومية، ولا يمكن إغراؤهم بالدبلوماسية أو التهديدات الجمركية. أميركا تحتاج لإعادة تمويل 9 تريليونات دولار من الديون خلال العام المقبل.

واذا ضعف الطلب على سندات الخزانة، سيتأثر الميزانية سريعاً بسبب أسعار الفائدة المرتفعة والديون القصيرة الأجل. ماذا سيفعل الكونغرس عندها؟

عندما انهارت الأسواق في الأزمة المالية العالمية والجائحة، تحرك الكونغرس بحزم، لكن هذه الأزمات تطلبت الإنفاق، لا فرض تخفيضات. سيتوجب عليه هذه المرة تقليص الاستحقاقات وزيادة الضرائب بسرعة.

تركيبة الكونغرس والبيت الأبيض قد تجعل الحكومة تتأخر في اتخاذ القرارات اللازمة. تردد أميركا قد يتسبب في صدمة تمتد من سندات الخزانة إلى باقي النظام المالي، مؤدية إلى انهيارات حادة.

«الاحتياطي الفيدرالي» سيواجه معضلة مؤلمة. قد يلجأ لشراء الأصول لتثبيت الأوضاع، لكن لا يريد الظهور بمظهر من يُسيّل ديون حكومة غير جديرة بالائتمان، خاصة وسط ارتفاع التضخم.

السؤال هو: هل يمكن تحقيق التوازن بين الإقراض الطارئ والتمويل النقدي؟ وإذا لم يكن ذلك ينقذ رئاسة ترامب، هل سيوافق على إقراض الدولارات للبنوك المركزية الأجنبية في حالات الأزمات كما اعتاد؟

قيمة العملة تعتمد على الحكومة. كلما طال فشل النظام السياسي الأمريكي في التعامل مع عجزه أو لجأ إلى قواعد فوضوية، زاد احتمال حدوث ثورة تقود النظام المالي العالمي إلى المجهول.

أينما تستقر الأمور، سيكون تراجع دور الدولار كارثة لأميركا، صحيح أن المصدرين سيستفيدون من ضعف العملة. لكن هيمنة الدولار تقلل من كلفة رأس المال للجميع، من مشتري المنازل للشركات الكبرى.

من ناحية أخرى، سيعاني العالم لعدم وجود بديل حقيقي للدولار. اليورو يدعمه اقتصاد كبير لكنه لا ينتج ما يكفي من الأصول الآمنة. سويسرا آمنة لكنها صغيرة، واليابان لديها ديون ضخمة، والذهب والعملات الرقمية يفتقران للدعم الحكومي.

نظام الدولار ليس مثالياً، لكنه يوفر قاعدة متينة للاقتصاد العالمي. عندما يشكك المستثمرون في الجدارة الائتمانية لأميركا، تصبح تلك الأسس مهددة. سياسات ترامب، مثل ترحيل المهاجرين بدون محاكمة، تجعل المستثمرين يظنون أن حقوق الدائنين الأجانب مهددة.


مواد متعلقة