أوروبا تحتاج استراتيجية جديدة لمواجهة تنامي اليمين المتطرف

السبت 13 ديسمبر 2025 - 03:48 ص

أوروبا تحتاج استراتيجية جديدة لمواجهة تنامي اليمين المتطرف

ناصر البادى

في الآونة الأخيرة، يعاني زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا من ضغوط شديدة في الوقت الذي يشهدون فيه تراجعاً في نفوذهم السياسي وتدهوراً في مستوى المعيشة. يزداد قلقهم بسبب رغبة الأحزاب اليمينية الشعبوية في استلام السلطة، وهو ما قد يغير الساحة السياسية بشكل كبير.

في بريطانيا وفرنسا، اليمين الشعبوي يمثل تهديداً حقيقياً للزعماء الحاليين، بينما في ألمانيا، حزب البديل من أجل ألمانيا يتطلع للفوز في الانتخابات المقبلة. يقدر قادة الدول الثلاث خطورة انتصار هذه الأحزاب، مما دفعهم للتحذير من العواقب الوخيمة المحتملة.

وصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس حكومته بالفُرصة الأخيرة لـ "الوسطية"، محذراً من نتائج سلبية إذا ما تمكنت الأحزاب الشعبوية من تحقيق أهدافها. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً ينبه إلى خطر اندلاع الحرب الأهلية في حال فوز اليمين الشعبوي، وأشار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى أن حزب الإصلاح يشكل تهديداً لـ "جوهر الهوية الوطنية".

بينما يبدو النقاش حول اليمين الشعبوي محاطاً بالكلمات التحذيرية، يبدو أن النهج الحالي في التعامل معهم لا يجدي نفعاً. يجري الاعتقاد أن التركيز على مساوئ اليمين الشعبوي، مع تجاهل الإخفاقات الذاتية للحكومات الحالية قد يكون غير فعال.

في بريطانيا، بعد سنوات من الركود في ظل الحكومات المحافظة، تجد الحكومة الحالية نفسها مضطرة لإنفاق المزيد على الرعاية الاجتماعية، مع زيادة في الضرائب، رغم عدم وجود نمو اقتصادي سريع. لم تنجح السياسات المفترضة في فرنسا بمعالجة القضايا المالية والاجتماعية بشكل فعال، كما أن جهود الإصلاح في ألمانيا لم تثمر.

أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومات التقليدية هو فقدان المصداقية أمام المواطن العادي، الذي يبحث عن بدائل وحلول فعلية لتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. هذا يفسر جزئياً لماذا يتزايد دعم الشعبويين بين الناخبين.

في هذا السياق المضطرب، يقوم بعض القادة الشعبويين في أوروبا بمحاولات للتواصل مع قادة الأعمال والسياسيين في البلدان المختلفة. في الوقت الذي يتم فيه استبعاد التعاون مع بعض اليمين الشعبوي، نجد هناك دعماً متزايداً لهم في مجتمعاتهم.

فيما يبدو أن استراتيجية شيطنة اليمين تفشل في تقليل نفوذهم، هناك دعوات للحكومات التقليدية لتحسين سياساتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل جدي. بدلاً من تشويه صورة الشعبويين، يتعين عليهم إظهار استجابة فعالة للمطالب الشعبية.

من المشروعات المحورية التي يعرضها الشعبويون هو تحرير الاقتصاد وتقليص حجم الحكومة، الامر الذي يشغل جزءاً كبيراً من وعودهم الانتخابية. يجادلون بأن حكومات بلادهم الحالية تفرض الكثير من القيود والعقاب على المبادرات الفردية والاقتصادية.

ومع ذلك، الخطط الاقتصادية الشعبوية تفتقر في كثير من الأحيان إلى التفاصيل ولا تقدم حلولاً فعلية للمشكلات الجوهرية مثل التكامل الاقتصادي الأوروبي وكيف يمكن التعامل مع التحديات التي يفرضها السوق العالمي.

في ظل المخاوف المتزايدة بشأن الهجرة، يروج الشعبويون لسياسات أكثر تشدداً تجاه المهاجرين. مما يثير مخاوف من آثار هذه السياسات على المجتمع وحقوق الإنسان. لكن الحقائق تشير إلى أن الهجرة غير الشرعية قد انخفضت بشكل ملحوظ في العديد من البلدان الأوروبية.

بالنسبة للسياسة الجيوسياسية، الشعبويون يشتركون بشكل مثير للقلق في الآراء المعادية للوحدة الأوروبية. هذه التوجهات قد تؤدي إلى انقسام أوروبا أكثر وتفاقم القضايا الأمنية.

مع انتخابات قادمة في فرنسا وألمانيا وبريطانيا عام 2029، الوقت مهم لمراجعة السياسة القائمة والتوجه نحو حلول جديدة وفعالة بعيداً عن المواقف التقليدية.

أفضل ما يمكن للحكومات التقليدية أن تفعله الآن هو السعي لتحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي والتغيير، والعمل بشكل جاد لتحقيق مصالح المواطنين الحقيقية. التركيز على السياسات الواقعية وتقديم حلول جديدة بدلاً من الانغماس في نزاعات سياسية ليس لها نهاية.


مواد متعلقة