الوعي: نعمة أم نقمة؟ تجربة مريض وسائق على مسرح الفجيرة

الخميس 17 أبريل 2025 - 07:32 ص

الوعي: نعمة أم نقمة؟ تجربة مريض وسائق على مسرح الفجيرة

مريم صوفان

لم تكن ليلة مهرجان الفجيرة الخامسة مجرد يوم مسرحي عابر، حيث ارتحل الجمهور بين أرمينيا وتونس ليعيش تجربتين لافتتين. لم يقتصر الأمر على الجودة المسرحية، بل امتد إلى التحديات والمقترحات على صعيد الأداء والشكل البصري العام، حتى بات السؤال المحير: هل يصبح وعي الإنسان نقمة عليه؟

العرض الأرميني بعنوان تأثير ألجيرنون-جوردون كان تجربة معقدة جدا، مستمدة من أدب الخيال العلمي، وتبحث في شخصية شاب يعاني إعاقة ذهنية، بينما ذهب العرض التونسي بعنوان وحدي، في رحلة وجودية تمزج بين الخذلان والتهكم، وكأنها محاولة لتشريح الخيبة وكشف تفاصيلها في مجتمعات لا تعرف الصراحة.

ماذا يمكن أن تكتشف داخل عقل شاب يعاني إعاقة ذهنية؟ ماذا يوجد في ذلك العقل الذي يوصف بأنه مضطرب؟ هي أسئلة منطقية سابقة للعرض الأرميني، إلا أن المفاجأة كانت في أن العرض لم يناقش عطب الإعاقة، بل مأساة الوعي والإدراك حين تبدأ رحلة علاج الشاب المريض ويدرك قبح العالم الذي يعيشه.

إذن، كان العرض يتعلق بأزمات الوعي وليس براحة الجنون. يستند إلى رواية الخيال العلمي الشهيرة زهور ألجيرنون لدانيال كيز. يتجاوز العرض منطقه العلمي لتحليل القيمة الحقيقية للمعرفة، وهل يكون الجهل ميزة وسط عالمنا؟ المسرحية تدور حول تشارلي جوردون، شاب ذو إعاقة ذهنية، يخضع لعملية لتعزيز ذكائه، ليكتشف القيم البشرية بمنظور جديد.

في تعقيدات هذه اللعبة، كان على الممثل أن يحمل ثقل العرض المركب في أصعب حالاته، وعالجت المخرجة العرض عبر طبقات متعددة بين الهذيان والوعي الأليم والذكاء، والأزمات النفسية التي تصحب هذا الوعي، بينما تطور الشخصية يتزخم بتفاصيل دقيقة، من التحول الاجتماعي إلى التحولات العميقة وسط عالم مجهول.

كتب دانيال كيز رواية زهور ألجيرنون في الستينات، كانت آنذاك ضرباً من الخيال العلمي، واليوم في هذا العرض محاولة لإحياء السؤال في عالم الذكاء الاصطناعي: كيف نظل بشراً في عالم مادي قاس؟

أما العرض التونسي «وحدي» انتصر للفرجة الممتعة رغم حكايته الإنسانية القاسية، لكنه لم يغرق في السوداوية. كان العمل يعرض رحلة متكاملة بين الشخصي والوطني، لنقف أمام قصة وطن وآلام يتم معالجتها بمهارة وعمق.

القصة تناقش حياة سائق شاحنة ثقيلة يروي قصصه غير النهائية، بين الضحك والدموع، القسوة والشاعرية، تنسج المونودراما مشهداً صارماً من حيث الأداء، رغم اعتمادها على السرد، هذه الصرامة تجلت في التجسيد المتنوع للشخصيات في فضاء مسرحي متقشف، بالاعتماد على الإمكانات الفردية للفنان.

في العرض، تتكامل الكلمة مع الفعل، حيث حافظ على التناغم بين النصوص الأدبية والأداء العملي، بينما كانت السينوغرافيا وأداوت العرض مضبوطة بشكل منح التأثير العاطفي طاقة دفع للأمام.

الممثل أسامة كشكار قادنا بمهاراته في وحدي في رحلة تجمع الحزن والمتعة، عشنا معه خذلانه، تحركنا معه عبر البلاد والجبال، وواجهنا المخاطر معاً، تعاطفنا مع قصة حبه، ورقصنا على أطلال الآمال الوطنية.


مواد متعلقة