تقارب جديد بين تركيا وأمريكا في إفريقيا
الثلاثاء 07 أكتوبر 2025 - 04:29 ص

شهدت العلاقات التركية الأميركية مؤخراً تحسناً ملحوظاً، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع بين الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان في واشنطن. وبرزت مجالات عدة لتعزيز التعاون بين البلدين، من تطوير العلاقات التجارية إلى صفقات بيع المقاتلات إف-35 والتنسيق في ملفات حلف شمال الأطلسي والشرق الأوسط.
لكن ثمة ساحة أخرى ينبغي أن تحظى باهتمام مشترك، وهي القارة الإفريقية. فتركيا تبدو مستعدة لتوسيع نفوذها، خاصة مع تراجع الحضور الأوروبي، وسعي الولايات المتحدة لتقليص مساعداتها في المنطقة. ومع تسابق الصين وروسيا لسد الفراغ، تبرز تركيا كبديل محتمل للتحالفات الأمريكية.
في العقدين الأخيرين، وسعت تركيا حضورها في إفريقيا بشكل لافت. شمل هذا تعزيز العلاقات التجارية، وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة والتعدين والمنسوجات. أصبحت الطائرات المسيرة التركية مطلوبة لدى عدد من دول إفريقيا، مما مكن أنقرة من استخدام علاقاتها الدفاعية كأداة تعاون اقتصادي.
هذا يجعل من الضروري تحديد أمريكا للمجالات التي يمكن التعاون فيها مع تركيا، وخاصة مكافحة الإرهاب. أرسلت واشنطن وأنقرة مدربين ومعدات لدول مثل الصومال وغرب إفريقيا لمساعدة القوات المحلية في التصدي للتنظيمات الإرهابية.
رغم التعاون، يجب على المسؤولين الأمريكيين التعامل بحذر. في حين تبحث الولايات المتحدة عن شركاء لتدريب القوات المحلية في منطقة الساحل، تواجهها قيود قانونية تقدم مساعدات مباشرة. تخطط تركيا لإرسال مدربين عسكريين للنيجر، مما يتماشى مع دورها في الصومال.
لكن، رغم الجهود، تبقى تساؤلات حول فاعلية التعاون الأمني مع أنقرة. أظهرت التجربة أن أداء القوات التي تلقت تدريبات تركية كان أقل كفاءة مقارنة بتدريبات أمريكية. الطائرات المسيرة التركية لم تُحدث تغييراً يُذكر في الساحة الأمنية في مناطق مثل الصومال ومنطقة الساحل.
يمثل التعاون في مجال الطاقة فرصة واعدة لأمريكا وتركيا، خاصة مع رغبة إدارة ترامب في تقليل اعتماد تركيا على الطاقة الروسية. نظراً لاعتماد تركيا الكبير على مصادر خارجية للطاقة، تتجه بشكل متزايد نحو إفريقيا بحثاً عن بدائل أقل كلفة وأكثر تنوعاً.
يمكن أن يؤدي إطلاق مشروعات طاقة مشتركة بين واشنطن وأنقرة إلى تقليل الأخطار عن الاستثمارات الأمريكية، وتعزيز تطوير الموارد الطبيعية الإفريقية. يمنح ذلك تركيا فرصة لفك جزء من ارتباطها بمصادر الطاقة الروسية. يمتد التعاون إلى تطوير سلاسل توريد المعادن الحيوية.
تكتسب سلاسل توريد المعادن الحيوية أهمية استراتيجية متزايدة، إذ إن تشغيل صناعة التعدين يتطلب طاقة كبيرة وبنية تحتية. يمكن لتركيا أن تلعب دوراً مهماً، على الرغم من أنها لا زالت متأخرة عن الصين في استثمارات البنية التحتية في إفريقيا. فازت الشركات التركية بعقود بلغت قيمتها نحو 100 مليار دولار منذ عام 1972.
تطرح تركيا اليوم كبديل محتمل للنفوذ الصيني والروسي المتزايد في إفريقيا. استغلت روسيا التراجع الفرنسي في الساحل لعرض نفسها كشريك بديل، لكن كانت النتائج كارثية على مكافحة الإرهاب والمصالح الغربية. زادت الصين من توفير المعدات العسكرية وبرامج التدريب وسط تراجع التأثير الغربي.
لكن الاعتماد على تركيا وحدها يحمل أخطاراً استراتيجية. تسعى أنقرة إلى الموازنة بين علاقاتها مع موسكو وبكين من جهة والغرب من جهة أخرى. لا تتردد تركيا أحياناً في الدخول بتحالفات انتهازية مع خصوم الولايات المتحدة عندما يخدم ذلك مصالحها.
الخطاب السياسي التركي في إفريقيا بات أقرب إلى ما تطرحه الصين وروسيا من شعارات مناهضة للغرب، مما يساعد أنقرة على التمدد في مناطق النفوذ الأوروبي التقليدي، لكنه يفتح الباب أمام خلافات محتملة مع واشنطن في المستقبل.
رغم ما يبدو من فرص للتعاون، فإن هناك حدوداً واضحة لأي شراكة استراتيجية مع تركيا في إفريقيا. التجربة أظهرت أنها ليست شريكاً مؤهلاً بالكامل. بدلاً من الاعتماد الكلي على تركيا، ينبغي على الولايات المتحدة النظر إليها كطرف يمكن التعاون معه في ملفات محددة لا أن تتحمل وحدها مسؤوليات أمنية كبرى.
تعد التجربة الأمريكية في الاعتماد الزائد على فرنسا في منطقة الساحل، والتي انتهت بخروج فرنسا من بعض الدول، درساً مهماً في ضرورة تنويع الشركاء وتحديد الأدوار بدقة دون الوقوع في فخ الاعتماد على أطراف قد لا تشارك الرؤية الأمريكية بالكامل.
مواد متعلقة
المضافة حديثا