أوروبا مستعدة لصد أي هجوم بري روسي محتمل

الأحد 23 نوفمبر 2025 - 03:57 ص

أوروبا مستعدة لصد أي هجوم بري روسي محتمل

ناصر البادى

في نهاية الشهر الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الرومانية أن نحو 700 جندي أميركي سيتم سحبهم من حدودها.

وعلى الرغم من أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أعربوا عن قلقهم إزاء هذا الانسحاب، إلا أن عدد الجنود لا يكاد يذكر في ميزان القوى بين حلف شمال الأطلسي وروسيا في القارة الأوروبية.

ومع ذلك، حتى لو قامت الولايات المتحدة بسحب جميع قواتها البرية من أوروبا، فإن الدول الأوروبية لديها قدرات كافية لردع أي هجوم بري روسي، وينبغي عليها ذلك.

وتعيد أوروبا اكتشاف حقيقة السياسة الدولية المتمثلة في أن الفعالية في إدارة شؤون الدولة تتطلب بذل جهودها الخاصة لردع أي هجوم روسي.

والسؤال هو: ما الذي ينبغي عليها فعله لردع روسيا؟

على الرغم من أن الحرب في أوكرانيا قد أثبتت ضعف روسيا، فإن التاريخ حافل بحالات جيوش مهزومة تعلمت من أخطائها، وأعادت تشكيل نفسها لتصبح جيوشاً قتالية أكثر قوة.

وقبل كل شيء، يجب على الدول الأوروبية تحديد أهدافها العسكرية.

وينبغي أن تشمل هذه الأهداف ردع روسيا عن مهاجمة أراضي حلف شمال الأطلسي، وتقليل التصعيد إذا قررت روسيا القيام بذلك.

ولتحقيق هذين الهدفين التوأمين، يجب على الأعضاء الأوروبيين في الحلف أن يقرروا نوع الاستراتيجية التي يرغبون في تنفيذها.

كما يجب على الدول الأوروبية الحليفة أن تنفذ "عقيدة دفاعية"، تتضمن نشر قوات أوروبية كافية لردع ومواجهة أي محاولات روسية للهجوم.

ومثل هذه العقيدة ستكون أيضاً أفضل بكثير من البديل المتمثل في "عقيدة الردع".

ولن يكون هذا كافياً لردع روسيا، التي أبدت استعدادها لقبول خسائر متزايدة في الأرواح.

كما أن حلف شمال الأطلسي بحاجة إلى اتخاذ خمس خطوات لردع روسيا.

ومع وضع المبدأ الدفاعي في الاعتبار، يجب على الحلف بقيادة أوروبا وصانعي السياسة في الولايات المتحدة اتخاذ خمس خطوات لإنشاء رادع تقليدي فعال ضد روسيا.

أولاً: يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة البدء في سحب قواتهم البرية من القارة.

وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية في الحلف لديها القدرة العسكرية على مواجهة أي عدوان روسي محتمل، إلا أن هذه الدول لاتزال تعتمد على الولايات المتحدة في أمنها.

ومن الناحية الاستراتيجية، لدى الولايات المتحدة مشكلات داخلية وأمور أكثر أهمية لتعالجها، مثل التهديدات في نصف الكرة الغربي والصين الصاعدة.

ومن خلال سحب القوات البرية الأميركية من أوروبا، سيُحفّز صانعو السياسة في الولايات المتحدة الدول الأوروبية على تولي أمنها بنفسها.

ثانياً: يجب على الدول الأوروبية زيادة إنفاقها الدفاعي، وهذا لا يعني مجرد الالتزام بتعهدات الإنفاق بنسبة 5%.

يحد الالتزام بهذه النسب البسيطة من الإنفاق الدفاعي لأوروبا من تحقيق الاحتياجات الأمنية الحقيقية.

ويجب على حلف الأطلسي، التخلي عن هذه القاعدة المتبعة في الإنفاق الدفاعي، والتركيز على الأهداف التي تؤمن أوروبا بشكل ملموس ضد أي هجوم روسي.

ثالثاً: يجب على الدول الأوروبية الحليفة تحسين قدرة جيوشها على التعبئة والانتشار السريع في حالة وقوع هجوم روسي.

وهذا يعني تحسين بنيتها التحتية لنقل المعدات والأفراد شرقاً، وتدريب المزيد من القوات، وتحسين قدرات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات.

إذا حاولت روسيا الهجوم على دولة من دول الحلف، يجب أن تكون الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف مستعدة لنشر قواتها للقتال في أسرع وقت ممكن.

رابعاً: يجب على الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي نشر دفاعات خفيفة في منطقة البلطيق.

ومع وجود روسيا وبيلاروسيا إلى الشرق، وبحر البلطيق إلى الغرب، لا تملك دول البلطيق مساحة كافية لتمركز الوحدات المدرعة الثقيلة والأسلحة في المنطقة.

وبدلاً من ذلك، فإن نشر دفاعات خفيفة، ووحدات مشاة خفيفة ومدفعية وأسلحة مضادة للدبابات وقدرات دفاع جوي، من شأنه أن يبطئ تقدم الهجوم الروسي من خلال الحرب الحضرية.

وعلى الرغم من أن هذا الخيار ليس مثالياً لدول البلطيق، إلا أنه الخيار الأفضل بالنظر إلى الوضع الجغرافي للمنطقة.

خامساً: يجب على الدول الأوروبية الشريكة، نشر قدرات عسكرية أثقل، دبابات ومركبات مشاة مدرعة وألوية مدرعة وميكانيكية وطائرات ودفاعات جوية متوسطة وطويلة المدى، في جميع أنحاء ألمانيا وبولندا.

وستحقق هذه الأسلحة والوحدات العسكرية هدفين: منع توغل روسي عميق من بيلاروسيا إلى بولندا، والعمل كاحتياطي عملياتي في حالة قيام روسيا بمهاجمة دول البلطيق.

ولتحقيق هذين الهدفين، يجب على حلف "الناتو" بقيادة أوروبية أن تنشر هذه القوات في نمط يشبه رقعة الشطرنج عبر ألمانيا وبولندا، بحيث تعمل كل منها كجزيرة مقاومة.

وإحجام الأوروبيين عن إعادة التسلح ضد روسيا أمر مفهوم.

الحرب هي واحدة من أسوأ ما يتمناه البشر، وقليل من المواطنين العاديين يرغبون في ترك عائلاتهم وأصدقائهم للمخاطرة بحياتهم من أجل الدفاع عن دولة أخرى.

هناك خوف مفهوم من أن إعادة التسلح في القارة سيؤدي إلى النزعة العسكرية والعودة إلى الأنظمة القمعية والحروب التي عانتها القارة في الماضي.

ومع ذلك، فإن كل دولة تحتاج إلى وسائل لحماية حريتها ومواطنيها.

إن وجود حلف شمال الأطلسي قوي، لا يعني أن أوروبا ستصبح مغرمة بالعسكرة، وأنها ستسير مرة أخرى نحو النفوذ العسكري.

ومن خلال تنفيذ هذه التدابير، يمكن الحفاظ على السلام في بقية القارة الأوروبية.

عن "ناشيونال إنترست".

يمثل البرنامج الدفاعي الجديد للاتحاد الأوروبي، "إعادة تسليح أوروبا"، الذي تبلغ قيمته 800 مليار يورو، نقطة تحول في نهج أوروبا للأمن.

ويركز هذا البرنامج على ثلاثة أهداف رئيسة، هي تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، والاستثمار في الصناعات الدفاعية الأوروبية، وضمان عقود طويلة الأجل للإنتاج العسكري، إضافة إلى تقليل الاعتماد الاستراتيجي على المورّدين الأميركيين وغير الأوروبيين.

وأخيراً ضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، بالحفاظ على المساعدات العسكرية لكييف وتوسيعها، حتى في غياب الدعم الأميركي.

وتسعى الخطة إلى تعديل قواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة، التي تُلزم الدول الحفاظ على عجز الميزانية دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

من خلال هذا التعديل، سيُتاح للدول الأعضاء زيادة إنفاقها الدفاعي بنسبة تصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى أربع سنوات، ما قد يوفر 650 مليار يورو إضافية للقطاع الدفاعي الأوروبي.

تتضمن الخطة تخفيف القيود المالية على الإنفاق العسكري، ورفع القيود التي تمنع بنك الاستثمار الأوروبي من تمويل المشاريع العسكرية.

ما يسهل على الحكومات تمويل مشاريع عسكرية كبيرة، وتصبح قادرة على دعم الصناعات الدفاعية، بما في ذلك معدات الجيش والشرطة، على الرغم من أنه لن يمول الأسلحة والذخائر بشكل مباشر.

يجب على حلف شمال الأطلسي، التخلي عن القاعدة المتبعة في الإنفاق الدفاعي، والتركيز على الأهداف التي تؤمّن أوروبا بشكل ملموس ضد أي هجوم روسي.

على الرغم من أن الحرب في أوكرانيا قد أثبتت ضعف روسيا، فإن التاريخ حافل بحالات جيوش مهزومة تعلمت من أخطائها وأعادت تشكيل نفسها لتصبح قوات قتالية أكثر قوة.


مواد متعلقة