عيسى البستكي يعلن نهاية الجدران والزمن في التعليم الإماراتي

السبت 15 نوفمبر 2025 - 11:13 م

عيسى البستكي يعلن نهاية الجدران والزمن في التعليم الإماراتي

عبد الله الغافرى

أكد رئيس جامعة دبي، الدكتور عيسى البستكي، أن مستقبل التعليم في الإمارات يتجه نحو نموذج تعليمي مبتكر يتجاوز الحدود التقليدية للجدران والمواعيد المحددة، حيث يعتمد على التعليم الذاتي المدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. يمكن للطلاب الآن التعلم من أي مكان وفي أي وقت، بمرافقة وكلاء ذكية تقوم بتوجيههم وقياس تقدمهم، مما يجعل العملية التعليمية أكثر مرونة وشمولية وإستدامة.

وفي حوار خاص مع "الإمارات اليوم"، كشف البستكي عن رؤية "الجامعة الرشيقة"، التي تركز على التفوق النوعي بدلاً من التوسع الكمي، حيث تسعى إلى تحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية من خلال البحث التطبيقي والابتكار، مما يسهم في تأسيس شركات ناشئة وتطوير براءات اختراع تعزز اقتصاد المعرفة وتحسن من تنافسية الدولة.

وذكر الدكتور عيسى البستكي: إن معيار تقدم الجامعات في الوقت الحالي لم يعد يعتمد فقط على جودة التعليم ومعدل الأبحاث المنشورة، بل يركز بشكل كبير على تحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية عبر تأسيس شركات ناشئة وتسويق براءات الاختراع والمنتجات التي تدعم الاقتصاد الوطني.

أكد أن التعليم العالي في الإمارات يشهد مرحلة انتقالية جديدة، حيث تتحول الجامعات من كونها مراكز لإنتاج المعرفة إلى جهات توظف هذه المعرفة لخدمة الاقتصاد. الجامعات الرائدة على المستوى العالمي تُقاس اليوم بقدرتها على الابتكار والتسويق.

وشدد على أن الجامعات المتقدمة لا تكتفي بالتدريس وإنتاج الأبحاث، بل تُخرج شركات وتحوّل نتائج أبحاثها إلى منتجات تدخل في الناتج القومي المحلي. وقد أحرزت الإمارات تقدماً في مجال الابتكار، لكن هناك حاجة ملحّة لتسريع التحويل التجاري للأبحاث لتصبح عنصرًا مستدامًا للنمو الاقتصادي.

وأشار البستكي إلى أن نموذج "الثلاثية الحلزونية"، الذي يجمع بين دور الصناعة والجامعات، يعد المثال الأمثل لبناء نظام ابتكار فعال. الإمارات أحرزت تقدماً في مؤشر الابتكار العالمي، خاصة في محور صناعة المعرفة، لكن الطموح يتجاوز الأرقام الحالية. الابتكار أصبح ضرورة استراتيجية تتماشى مع رؤية الدولة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، حيث أصبحت المعرفة هي الوقود الحقيقي للاقتصاد الجديد.

وشدد على أن التوجه الاستراتيجي للبحث العلمي في ظل التطورات التقنية والذكاء الاصطناعي يجب أن يكون متوازناً بين المعرفة الأساسية والحلول التطبيقية والابتكار التجاري، لضمان أن الجامعات قادرة على تحويل البحث إلى قيمة اقتصادية ومجتمعية حقيقية.

وأوضح: "الرؤية تتمثل في تقسيم الأبحاث بين 50% أبحاث أساسية لتأسيس قاعدة معرفية لتطبيقات المستقبل، 30% أبحاث تطبيقية لحل مشاكل الصناعة والمجتمع، و20% لأبحاث تؤدي إلى براءات اختراع وشركات ناشئة، مما يربط البحث مباشرة بسوق العمل والاقتصاد الوطني".

وأشار إلى أن جامعة دبي قامت بمواءمة برامجها الأكاديمية مع التحولات التكنولوجية. لقد أطلقت تخصصات جديدة تشمل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، تحليل البيانات، التمويل التقني (FinTech)، والتسويق الرقمي. بدأت أيضا برنامج ماجستير إدارة الأعمال عن بُعد، المعتمد من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الذي يتيح للطلاب التعلم بمرونة من أي مكان.

وأكد أن الجامعة تلتزم بالابتكار التطبيقي من خلال شراكات بحثية محلية وعالمية، تشمل التعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء لتحليل بيانات الأقمار الاصطناعية وتطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي محلية، إضافة إلى مختبرات مشتركة مع شركات عالمية مثل "هواوي" لتطوير تقنيات الاتصالات والطائرات دون طيار. الطلاب أصبحوا جزءًا من منظومة تعلم وبحث متكاملة تجمع بين المعرفة والابتكار والتطبيق العملي.

أكد رئيس جامعة دبي أن سرعة التغير في المهارات والمعارف تفرض على الجامعات تبني ثقافة التعلّم مدى الحياة، التي تتيح للطلاب تطوير مهاراتهم بشكل مستمر لمواكبة متطلبات سوق العمل المتغيرة. أضاف أن من أهم أدوات هذه الثقافة نظام الاعتمادات الدقيقة (Micro-Credentials)، الذي يعتمد على مساقات قصيرة أو حزم تدريبية تخصصية تهدف إلى إعادة التمهين ورفع المهارات أو دمج أكثر من مهنة في تجربة تعليمية واحدة.

أوضح أن هذه الاعتمادات تراكمية، ويمكن جمعها لاحقا للحصول على شهادات أكاديمية معترف بها محليا ودوليا، مما يجعل عملية التعلم أكثر مرونة ويضعها في ارتباط وثيق بمتطلبات سوق العمل المتغير.

وأصر الدكتور عيسى البستكي على أهمية تقارب مخرجات الجامعات مع متطلبات السوق، مقترحاً نموذج "ظلّ الموظف"، حيث يرافق الخريج موظفا خبيرا خلال فترة محددة لاكتساب المهارات العملية الواقعية. هذا الأسلوب يختصر الوقت ويعزز جاهزية الخريجين لمواجهة تحديات بيئة العمل بكفاءة منذ اليوم الأول.

أضاف أن الاعتمادات الدقيقة تمثل أداة فعالة لسد الفجوات في المهارات المتخصصة بسرعة ومرونة، حيث يمكن تصميم مساقات تجمع بين الأكاديميين وخبراء الصناعة في قاعة واحدة. هذا يتيح للطلاب تجربة تعليمية تطبيقية مباشرة ترتبط بسوق العمل.

أكد البستكي أن الذكاء الاصطناعي سيظل أداة مساعدة للإنسان، وليس بديلًا عنه. يوضح أن العقل البشري يتميز بالإبداع والقدرة على الابتكار والمفاجأة، بينما الذكاء الاصطناعي يعمل وفق خوارزميات محددة ومنطقية.

وأضاف: "يتغير دور الأستاذ الجامعي ليصبح مصمم تجارب التعلم ومرشد بحثي وأخلاقي، يوجه الطلاب نحو الاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة، ويعزز قدرتهم على التفكير النقدي وحل المشكلات".

وأشار إلى أن دور المعلم أصبح أكثر شمولية، إذ يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية بشكل استراتيجي. يستخدم الأستاذ أدوات ذكية لدعم التعلم الشخصي، وتحليل أداء الطلاب، وتصميم أنشطة تعليمية مبتكرة تحفز التفكير المستقل والإبداع، مع الحفاظ على البعد الإنساني والتوجيه الأخلاقي الضروري للجيل الجديد من المتعلمين.

وأوضح البستكي أن التعليم الحديث يتجه نحو نموذج بلا جدران، مدعومًا بالذكاء الاصطناعي، حيث يصبح الطالب قادرًا على التعلم من أي مكان وفي أي وقت، بمساعدة وكيل ذكي يوجهه لتجربة تعليمية تتناسب مع مهاراته واحتياجاته العملية. التعليم أصبح شخصيًا ومرنًا ومستمراً.

وفي حديثه عن مستقبل التعليم، يؤكد البستكي أنه سيكون بلا جدران ولا قيود زمنية. سيستطيع الطالب التعلم من أي مكان وفي أي وقت عبر أنظمة ذكية توفر له تجربة تعليمية ذاتية بالكامل. الذكاء الاصطناعي سيصبح رفيقا دائما له خلال رحلته التعليمية، يرشده ويقيم تقدمه بشكل مستمر.

أضاف أن جامعة دبي أنشأت لجنة متخصصة لتطوير الوكيل الذكي (AI Agent) الذي سيستخدم لدعم الطالب والهيئة الأكاديمية، وتعزيز جميع عمليات التعلم والتفاعل في الفصول الافتراضية. هذا يعزز تجربة تعليمية أكثر مرونة وفعالية.

حول التصنيفات العالمية، أبدى رئيس جامعة دبي تحفظًا على بعض نماذج التصنيف التي تعتمد على دمج دورَي الاستشارة والتقييم في جهة واحدة. يعتبر أن ذلك يمثل تضاربًا يؤثر في الموضوعية ودقة التقييم.

اقترح البستكي إنشاء إطار عربي موحد للتصنيف الجامعي يديره وزارات التعليم العالي بالتعاون مع مؤسسات دولية محايدة. يركز هذا الإطار على الأثر التعليمي والاقتصادي للجامعات بدلاً من المؤشرات الشكلية، مما يحقق شفافية أكبر وكلفة أقل في عملية التقييم، ويعزز العدالة والصدقية في مقارنة الجامعات.


مواد متعلقة