نساء السنغال يناضلن من أجل صحتهم وسط ضغوط الديون والفقر
الخميس 30 أكتوبر 2025 - 04:39 م
 
								
				يكون رصيف الصيد في شاطئ غول بالسنغال عادةً مزدحماً بالحياة، حيث تكتظ النساء بانتظار عودة الصيادين، وعيونهن معلّقة على حصيلة صيد اليوم. البحر يكاد يختفي خلف الزحام. لكن اليوم، المشهد مختلف تماماً، فالهدوء يسود المكان، والرمال مغطاة بقايا الأصداف المكسرة، والأكياس البلاستيكية حتى حافة الماء.
في إحدى الليالي، هبّت عاصفة قوية مصحوبة بأمطار غزيرة غير معتادة على سواحل السنغال، لتعطل حركة البحر، وتمنع الرجال من ركوب قواربهم الخشبية الصغيرة، المعروفة محلياً باسم "بيروغيس". أغرقت بعض المنازل، وتحول الصباح التالي إلى يوم من العزلة، حيث بقيت النساء منشغلات بتنظيف بيوتهن المتضررة.
تبدو الحياة في السنغال أكثر هشاشة، وتزداد صعوبة يوماً بعد يوم، كما تصفها أداما فايا، وهي امرأة ريفية تبلغ من العمر 29 عاماً. تقول: "كأن يداً خفية تمسك بكل شيء، فلا نملك سوى الانتظار". زوجها يعمل صياداً، لكنه حين يضطر لاستخدام الشباك الصناعية في عرض البحر يعود بصيد ضئيل لا يكفي قوت يومهم.
تعمل أداما في عيادة محلية صغيرة بمنطقتها الفقيرة، وهي من بين النساء اللواتي يلتقين دورياً بفريق من منظمة "إم إس آي" الدولية غير الحكومية، التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، وتُعنى بتقديم خدمات تنظيم الأسرة والإجهاض الآمن في 37 دولة حول العالم. تزور هذه المنظمة المنطقة مرة كل شهرين لتقديم وسائل منع الحمل للنساء.
هذا الشريان الحيوي بات مهدداً، بسبب تقليص المساعدات الدولية. في قاعة الانتظار داخل العيادة المتواضعة، تجلس النساء على مقاعد خشبية بسيطة، يستمعن إلى القابلة آمي مباي، البالغة من العمر 28 عاماً، والمسؤولة عن المركز الصحي منذ ما يقارب من 10 سنوات، تقول: "النساء هنا محاربات بحق". توضح أن معظم النساء في المنطقة يمررن بتجارب حمل متكررة تصل إلى تسع أو 10 مرات.
تعدد المخاطر الصحية المترتبة على ذلك، من فقر الدم الحاد، إلى مضاعفات الإجهاض، وحتى وفيات الأمهات. بسبب تجريم الإجهاض في السنغال، يلجأ العديد من النساء إلى ممارسات سرية خطرة تهدد حياتهن. تضيف مباي: "كل شيء هنا مرتبط بالبحر، فحين لا يكون هناك صيد، لا تكون هناك حياة".
في بلد مثل السنغال، الذي يعيش فيه أكثر من 19 مليون نسمة تحت وطأة الديون والفقر وقلة الموارد، تبدو الرعاية الصحية رفاهية نادرة. العيادة المحلية نفسها تكافح لتوفير أبسط المستلزمات، فالقفازات الطبية نادرة، والمبنى متهالك تتساقط مياهه من السقف، ومع ذلك، فهو الملاذ الوحيد لنحو 28 ألف نسمة، بينهم 7000 امرأة في سن الإنجاب.
تشارك كومبا دينغ، صاحبة مطعم عمرها 52 عاماً، الإحساس ذاته بالضيق. تقول بحزن: "كنا في الماضي نتناول وجبتين كاملتين يومياً، أما الآن، فمرة واحدة تكفينا". وتشير إلى أن معظم زبائنها باتوا يطلبون وجبة "الفوندي"، وهي عصيدة تُعد من أرخص الأطعمة، تقدمها للرجال لدى عودتهم من الصيد في البحر.
دينغ لديها سبعة أطفال، لا يفصل بين كل منهم سوى تسعة أشهر تقريباً. تقول إن تعاقب الحمل دون وجود فترة استراحة أثّر سلباً في صحتها، فباتت تعاني ارتفاع ضغط الدم، كما تشعر بالضعف. بعد فترة قصيرة من إنجاب طفلها الأصغر قبل ست سنوات، قدمت لها منظمة "إم إس آي" جهازاً لمنع الحمل.
تدير منظمة "إم إس آي" برنامجاً بتمويل بريطاني يُعرف باسم "الصحة الجنسية المتكاملة للمرأة"، يُنفذ في عدة دول إفريقية منها السنغال، ومالي، والنيجر، وتشاد. تأثر البرنامج سلباً بعد خفض المساعدات في عهد الحكومة البريطانية السابقة، ما قلّص عدد الدول المستفيدة وعدد النساء المستفيدات.
يعتمد برنامج "الصحة الجنسية المتكاملة للمرأة"، الذي تديره منظمة "إم إس آي" على جهود المتطوعين المحليين في السنغال، الذين يطرقون الأبواب لإقناع النساء وأزواجهنّ بأهمية تنظيم الحمل. لكن في مجتمع يعتمد في بقائه على البحر، يبدو أن الأمواج لم تعد تترك للنساء سوى خيار واحد: الصمود في وجه العاصفة.
في السنغال، ينشط القائمون على برنامج "إم إس آي" بشكل مباشر، حيث يقومون بالتجوال من منزل إلى آخر بين أفراد المجتمع الموثوق بهم، بهدف البحث عن النساء اللواتي يمكنهن الاستفادة من الخدمات الصحية. يتحدث الفريق مع النساء وأزواجهن لتوضيح الفوائد الصحية للمباعدة بين فترات الحمل، للحفاظ على صحة المرأة.
الشابة السنغالية أداما فاي لديها طفلان، أحدهما في السادسة والآخر في الثالثة من العمر، ترغب في فترة راحة مدتها ثلاث سنوات قبل التفكير في إنجاب المزيد من الأطفال. بعد التعرف إلى وسائل منع الحمل المختلفة، أصبحت فاي الآن قادرة على حماية نفسها باستخدام الأساليب المتاحة.
تستفيد 45 امرأة وفتاة يومياً من أحد أشكال وسائل منع الحمل في العيادة، مع اختيار معظم النساء الأساليب طويلة الأمد التي توفر حماية لسنوات. تخضع 18 امرأة وفتاة إضافية لفحص سرطان عنق الرحم. على الصعيد الوطني، وضعت حكومة السنغال أهدافاً لتعزيز الصحة الإنجابية تشمل تقليل معدل وفيات الأمهات وزيادة نسبة النساء اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل الحديثة.
في مكتبه بالعاصمة السنغالية داكار، يؤكد رئيس قسم صحة الأم والطفل، الدكتور أمادو دوكوري، أن هنالك خططاً لزيادة الموارد المخصصة لهذا القطاع الحيوي. لكن هذه الجهود المحلية وحدها لا تكفي، حيث يعتمد الأمر على دعم الشركاء الدوليين. يقول: "حتى مع توافر الموارد المحلية، لانزال بحاجة إلى دعم الشركاء".
المدير الإقليمي لمنظمة "إم إس آي"، إيمانويل ديوب، يقول إن تقليص المساعدات الدولية، لاسيما المقدمة من الوكالة الأميركية، ترك أثراً ملموساً في البلاد، حيث تسبب في فجوة تمويلية كبيرة، دفعت منظمة "إم إس آي" إلى التدخل لتعويض هذا النقص لتوفير وسائل تنظيم الأسرة الضرورية.
مواد متعلقة
المضافة حديثا
 
										 
										 
										 
										 
										 
										 
										 
										 
										 
										 
										 
					 
							 
							 
							 
							 
							 
							 
							 
							