أميركا بين الاحتواء والتعايش التنافسي مع الحرب الروسية الأوكرانية

الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 03:23 ص

أميركا بين الاحتواء والتعايش التنافسي مع الحرب الروسية الأوكرانية

منى شاهين

الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال بعيدة عن الحل النهائي. هذا بعد فشل انعقاد القمة بين الرئيسين ترامب وبوتين. ومع ذلك، قد يكون الوقت قد حان للنظر في كيفية جعل أي تسوية تصب في مصلحة الولايات المتحدة، سواء من ناحية أمن أوروبا أو علاقاتها مع روسيا.

كما كان الحال خلال الحرب الباردة، اعتبرت سياسة الاحتواء روسيا خصماً يسعى لتحقيق طموحات جيوسياسية لا يمكن التسامح معها في أوروبا أو العالم. رؤية جورج كينان، مستشار الخارجية الأميركي في الفترة 1949-1951، تشير إلى أن كبح الطموحات الروسية سيضعف النظام هناك ويفتح الطريق نحو "روسيا جديدة" تتوافق مع القيم الغربية.

هذا المنطق يتكرر في الأزمة الحالية، حيث يُفترض أن كبح التوسع الروسي سيؤدي لتحولات داخلية تجعلها أكثر توافقاً مع النظام الدولي الغربي.

على الجانب الآخر، تعتمد استراتيجية "التعايش التنافسي" على افتراض أن روسيا منافس دائم ولا يمكن تغيير نظامها السياسي أو عقيدتها الاستراتيجية، سواء بالضغط أو الإغراء. لذا تهدف السياسة الخارجية الأميركية إلى إدارة المنافسة مع موسكو بمسؤولية، لتجنب صراع عسكري كارثي.

على الرغم من تباين النهجين، يشتركان في تحقيق هدف رئيسي هو الحفاظ على سيادة أوكرانيا ومنع روسيا من شن حروب جديدة على جيرانها، لكنهما يختلفان في كيفية معالجة القضيتين الجوهريتين في الصراع: ضمان الأمن لأوكرانيا والتعامل مع الأراضي المتنازع عليها.

من منظور الاحتواء، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم حق أوكرانيا في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، دون قيود على التعاون الأمني بينها وبين الناتو أو الحلفاء الغربيين، ورفض أي ضغوط روسية. السياسة تتمسك بسيادة أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها وتعارض أي تسوية تشرعن السيطرة الروسية على الأراضي التي استولت عليها منذ 2014.

سياسة الاحتواء تفي بمتطلبات الدفاع عن السيادة ومقاومة العدوان من منظور أخلاقي وقانوني، إلا أنها ليست بلا ثمن. حرمان روسيا من مخرج حفظ ماء الوجه أو ضمانات أمنية لها قد يطيل أمد الحرب، بينما قد تؤدي العقوبات إلى نتائج اقتصادية وأمنية طويلة الأمد، منها تعميق أبعاد "الحرب الباردة الجديدة"، وزعزعة استقرار أوروبا، وزيادة الأعباء على أوكرانيا نفسها.

على النقيض، سياسة "التعايش التنافسي" تدعو أوكرانيا لتبني "الحياد المسلح" كوسيلة لحفظ سيادتها واحترام المخاوف الأمنية الروسية. تدعو كييف للتخلي عن فكرة الانضمام للناتو وعدم استضافة قوات أجنبية، مع تطوير قدراتها الدفاعية بالتعاون مع الغرب.

الاستراتيجية تقترح قيوداً متبادلة على القدرات العسكرية لأوكرانيا وروسيا في منطقة على طول الحدود المشتركة مع بيلاروسيا، بما يضمن توازناً مستقراً للقوة بين الجانبين.

بالنسبة للأراضي المتنازع عليها، فإن النهج يقبل السيطرة الروسية الواقعية على بعض المناطق دون الاعتراف بها قانونياً، ويتوجه نحو تسوية على مبدأ تقرير المصير المحلي، التي تسمح لسكان المناطق بتحديد مستقبلهم السياسي عبر عملية ديمقراطية بإشراف دولي.

هذه المقاربة براجماتية أكثر منها مبدئية، لكنها تدرك أن أمن أوكرانيا يعتمد في النهاية على توازن القوى والالتزام الأخلاقي المستمر من الغرب تجاهها.

يظل الاحتواء خياراً مرغوباً لأنه يعكس ثقة الولايات المتحدة في قيمها الأخلاقية وقوتها كدولة عظمى تقود النظام الدولي، كما كان الحال بعد الحرب الباردة. لكن العالم اليوم تغيّر ولم تعد واشنطن قادرة على فرض إرادتها كما في الماضي.

بالمقابل، تقدم سياسة "التعايش التنافسي" إطاراً أكثر واقعية لإدارة التوترات مع روسيا في نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث تواجه الولايات المتحدة منافسين لا يمكنها التغلب عليهم بالكامل.

هذه السياسة لا تعني استرضاء المعتدين أو مكافأتهم، بل تهدف إلى احتوائهم عبر التوازن وضبط النفس والدبلوماسية.

في النهاية، يجب على الولايات المتحدة أن تختار بين سياسة الوضوح الأخلاقي وأخرى قد تحقق النجاح. سياسة "التعايش التنافسي"، برغم الغموض والعيوب التي تكتنفها، تقدم المسار الأكثر ضمانة للسلام في أوروبا.


مواد متعلقة