من الحياد إلى المواجهة.. فنلندا تتحصن أمام التهديد الروسي
الأربعاء 15 أكتوبر 2025 - 02:27 ص

يشير قائد خفر السواحل المسؤول عن سلامة خليج فنلندا، ميكو سيمولا، إلى الشرق من على متن سفينة الدورية الضخمة "تورفا". المنطقة التي تتجه نحو المضيق البحري الوحيد الذي يصل إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.
وفي تلك المنطقة، يراقب سيمولا وطاقمه السفن الحربية الروسية وهي تمر منذ ثلاث سنوات، ووجودها يعتبر "أكبر بكثير" مما كان عليه في السابق.
ونفس الأمر ينطبق على "ناقلات الظل"، الأسطول القديم الذي يستخدمه الكرملين للهروب من العقوبات الغربية، حيث تستمر في التحرك بمعدل يتراوح بين 30 و50 سفينة أسبوعياً.
منذ القصف الروسي الأول على أوكرانيا في فبراير 2022، شاهد سيمولا كل شيء، حيث اعترضت "تورفا"، تحت قيادته أثناء عيد الميلاد الماضي، إحدى ناقلات النفط المشتبه بها.
السفينة اتهمت بقطع "كابل" كهربائي تحت الماء وأربعة كابلات بيانات. وقال سيمولا: "أشعر أن هذه لن تكون المرة الأخيرة، الكرملين لن يتوقف أبداً عن استخدام هذا الممر المائي الهام في فنلندا".
رغم أن فنلندا ليست من الدول المتضررة بشكل مباشر من هجمات الطائرات بدون طيار أو الهجمات الإلكترونية التي هددت الدول المجاورة في الاتحاد الأوروبي مؤخراً، إلا أن هلسنكي تمر بلحظة حرجة.
هذا الخوف ينبعث من تاريخ فنلندا الخاص وواقع أن حدودها مع روسيا هي الأطول في القارة الأوروبية بالكامل، حيث تمتدّ لـ1300 كيلومتر.
رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو، خلال زيارة لمفوض الدفاع الأوروبي، أندريوس كوبيليوس، أكد أن فنلندا تقف بجانب دول البلطيق وبولندا لدفاع مشترك يتطلب التضامن.
في لقاء مع وسائل الإعلام الأوروبية، قال رئيس فنلندا ألكسندر ستاب: "مع روسيا، لا شيء مستحيل".
الخوف موجود وواضح، لأن حدود فنلندا البرية مع روسيا هي الأطول بين دول الاتحاد الأوروبي، وهي أكبر ثلاث مرات من حدود روسيا مع إستونيا.
تشترك فنلندا في تاريخ مع روسيا، وكانت جزءاً من إمبراطوريتها حتى عام 1917. وحتى 2022، كانت توازن بين الحوار والتهدئة.
عانت فنلندا لعقود من انتهاكات المجال الجوي التي تؤثر الآن في دول أوروبية أخرى، لكن الزمن تغير والحرب في أوكرانيا تعتبر تحذيراً.
الهجمات الروسية دفعت هلسنكي لاتخاذ خطوة غير متوقعة في 2023، حيث تخلت عن حيادها التاريخي وانضمت إلى حلف الناتو.
اختارت فنلندا حماية نفسها بفضل المظلة العسكرية القوية للناتو، مضاعِفة بذلك طول حدود التحالف مع روسيا.
الانضمام للناتو كان غير مرغوب فيه مسبقاً، لكن الآن يحظى بدعم 70% من السكان، وفق استطلاعات الرأي.
ما يدفع الفنلنديون لدعم هذه الخطوة هو خوفهم من تعرضهم لهجوم؛ ثماني من كل عشرة أبدوا استعدادهم للدفاع عن أنفسهم.
بعد عقود من عدم شعورهم بضغط موسكو منذ حرب الشتاء 1939-1940، عاد هذا الشعور مع تشابه الوضع الحالي في أوكرانيا.
في مايو الماضي، أكدت صور الأقمار الاصطناعية نشر آلاف الجنود الروس على الحدود، ربما لتقليل الضغط عن الأوكران.
هذه المناورات دفعت سامي نورمي، قائد قسم الاستراتيجية في الجيش الفنلندي، للدعوة لمراقبة دقيقة للحدود.
هناك الآن ضعف إلى ثلاثة أضعاف عدد الجنود الروس مقارنة بفترة ما قبل الحرب الأوكرانية، وفق حسابات نورمي.
تعمل فنلندا على بناء سياج يغطّي سُبع الحدود مع روسيا بارتفاع 4.5 أمتار، لمنع تدفق المهاجرين.
هذا السياج لن يمنع التسلل الجوي، لكنه ضروري لوقف تدفق المهاجرين حيث ألقت هلسنكي باللوم في ذلك على موسكو.
إغلاق المعابر بين البلدين حتى إشعار آخر تسبب في خسائر اقتصادية فادحة للمدن الحدودية في فنلندا.
المدن التي كانت تعتمد على حركة العابرين تواجه الآن خسائر مالية ومعدلات بطالة متزايدة، ولا يبدو أن أي تغيير سيحدث قريباً.
لفترة طويلة، كان الاستعداد لأي طارئ أولوية لفنلندا في شكل "صمود"، وهي نسخة محسّنة من المقاومة التقليدية.
في فنلندا، يوجد حوالي 50 ألف ملجأ بتجهيزاتها الضرورية لأوقات الأزمات التي لم تحدث لحسن الحظ حتى الآن.
الركيزة الأخرى لاستراتيجية فنلندا هي الخدمة العسكرية الإلزامية للرجال، وهو أمر لا يزال نادراً في الاتحاد الأوروبي.
فنلندا هي مثال واضح على تأثير التوترات الجيوسياسية المحلية في سياسة بلد وحياة سكانه ووضعه على الخريطة الدولية.
مواد متعلقة
المضافة حديثا