محلل يدعو القادة الأوروبيين لتبني نهج مستقل في الساحة الدولية

السبت 10 مايو 2025 - 04:30 م

محلل يدعو القادة الأوروبيين لتبني نهج مستقل في الساحة الدولية

منى شاهين

أوروبا تواجه لحظة مفصلية، حيث تجاوزت مرحلة التعاون الأمني عبر الأطلسي، وتمثل إدارة الرئيس دونالد ترامب تحدياً للدول الأوروبية بسبب موقفها المشوب بالازدراء والاستهزاء والعداء.

على الرغم من ذلك، فإن قادة أوروبا لم يعودوا يعتبرون الدعم والحماية الأميركية التقليدية أمراً مسلماً به. يتعين عليهم أن يأملوا الأفضل، ويخططوا تحسباً للأسوأ، مما يعني اتباع مسار مستقل في السياسة العالمية.

الوضع الراهن ليس خطأ ترامب بالكامل، حتى وإن لم يكن الرئيس، فقد أصبحت إعادة التوازن الجذري للعلاقات عبر الأطلسي أمراً ضرورياً منذ زمن طويل.

نظرة سريعة على الوضع العالمي تظهر أن الولايات المتحدة ليست قوة أوروبية، والالتزام العسكري الأميركي المستمر لأوروبا يمثل شذوذاً تاريخياً وجيوسياسياً، فقط في حالة الضرورة الاستراتيجية القصوى يمكن تبرير هذا الالتزام بنفقات باهظة.

هذا الهدف الاستراتيجي هو ما جعل الولايات المتحدة تدخل كلا الحربين العالميتين وتحتفظ بقوات كبيرة في أوروبا خلال الحرب الباردة.

كانت هذه السياسات قائمة على المنطق في تلك الفترات، ولكن الحرب الباردة انتهت منذ أكثر من 30 عاماً، ومرحلة القطب الواحد انتهت منذ سنوات قليلة.

من الناحية المثالية، ينبغي على الولايات المتحدة العمل مع أوروبا للتفاوض على تقسيم جديد للمهام ليكون الانتقال سلساً وفعالاً. قمة الناتو المقبلة فرصة مثالية لتسريع هذه العملية إذا اختارت الولايات المتحدة أن تكون بناءة؛ إلا أن إدارة ترامب لا تعتقد أن أوروبا شريك اقتصادي أو حليف استراتيجي ذو قيمة.

ترامب ينظر إلى أوروبا كمجموعة من الدول المتدهورة، الملتزمة بالقيم الليبرالية التي يرفضها ترامب، ويشعر براحة أكبر مع زعماء مثل بوتين وأوربان.

وقد أيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويعتقد أن الاتحاد الأوروبي شُكّل "لإزعاج الولايات المتحدة"، ويفضل التعامل مع دول أوروبية فردية بدلاً من التعامل مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي كممثلين لأوروبا ككل.

ترامب يرفض الضوابط الدولية التي تتعارض مع أهدافه مثل ضم غرينلاند أو كندا، واستهدف حربه الجمركية أوروبا مما يعوقها عن الوفاء بأهداف الإنفاق الدفاعي.

من ناحية أخرى، على قادة أوروبا التسليم بعجز إدارة ترامب المتأصل، كما أن الحرب التجارية الفوضوية أوضح مثال على ذلك.

ولا يمكننا نسيان المسؤولين غير المؤهلين ومشكلة "سيغنال جيت"، وكذلك المفاوضات غير الاحترافية مع روسيا وإيران والفوضى في البنتاغون.

فإذا اعتقد الأوروبيون أن الأميركيين يعرفون ما يفعلون في هذا الوضع، عليهم إعادة النظر في أفكارهم.

ينبغي على الأوروبيين الابتعاد عن الخلاف مع الولايات المتحدة، وإبداء الاستعداد للتفاوض على ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة بروح تعاونية.

لكن إذا أصرت واشنطن على افتعال المشكلات، فعلى أوروبا الاستعداد للتضحية لحماية مصالحها الحيوية.

ثانياً، في مواجهة إدارة أميركية غير ودية، من الأفضل للأوروبيين أن يتحدثوا بصوت واحد ويقاوموا محاولات الولايات المتحدة لتفريقهم.

وينبغي تنفيذ إصلاحات اقتصادية موصى بها في تقرير قدمه ماريو دراغي حول القدرة التنافسية الأوروبية، وإلغاء حق النقض الذي يسمح لدولة واحدة بعرقلة الجهود لصالح القارة.

إذا دفع هذا الإلغاء بعض الدول المعارضة مثل المجر إلى الانسحاب من الاتحاد، فقد يكون ذلك للأفضل بالنسبة للدول المتبقية.

ثالثاً، يجب التركيز على تحسين ميزانيات الدفاع بشكل فعال وبناء قدرات عسكرية مستقلة عن الولايات المتحدة، وقد طرح جيمس ماتيس أهدافاً مثل "أربع ثلاثينات" كنقطة انطلاق.

يتعين على أوروبا تجنب الانجرار إلى مهام حفظ السلام المكلفة والتركيز على تطوير قوات أسلحة مشتركة لتكون قادرة على التدخل عند الحاجة.

وفي ظل انعدام الثقة في المظلة النووية الأميركية، حان الوقت لأوروبا لإجراء نقاش جاد حول دور الأسلحة النووية في أمنها.

يجب أن تكون الاستجابة الأوروبية لهذه المشكلة مدروسة ويمكن التركيز على ردع أي هجوم واسع النطاق.

بدأ المسؤولون الأوروبيون والخبراء الاستراتيجيون مناقشة هذه القضايا، وهو أمر إيجابي بحد ذاته.

خامساً، يجب على الدول الأوروبية تذكير واشنطن بأنها تمتلك خيارات إذا في حال استمرار العداء أو عدم الموثوقية.

يمكن لأوروبا أن تعمل مع دول أخرى، بما في ذلك الصين، ويمكن أن تكون العلاقات الاقتصادية مع بكين ضرورية إذا استمر ترامب في سياساته الجمركية.

لقد اتبعت الدول الأوروبية نهج الولايات المتحدة في حظر تصدير التكنولوجيا الحيوية، مثلما فعلت هولندا بمنع شركة "إيه إس إم إل" من بيع تقنيات للطباعة إلى الصين، وتحظر دول الاتحاد الأوروبي تقنية هواوي للجيل الخامس رغم كفاءتها، إذا استمرت الولايات المتحدة في سياساتها الصارمة، على أوروبا أن تنهي هذا النهج.

وأخيراً، يجب على المدى البعيد استكشاف سبل تخفيف التوتر مع روسيا لضمان استقرار أوروبا في المستقبل.

يحظى الماضي بمبادرات مثل عملية هلسنكي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بالذكرى كدليل على أن الانفراج ممكن حتى في أوقات التوتر.

والقادة الأوروبيون في المستقبل عليهم البقاء منفتحين على خطط مشابهة إذا كانت تدعم استقرار المنطقة وتخفيف التوترات.

إستيفن إم والت كاتب عمود في فورين بوليسي، يتناول تحليل السياسة الدولية وتقديرات المواقف ودور القوى العظمى.

أما الصين، فهي المنافس الرئيسي للولايات المتحدة كقوة عظمى في القرن الحادي والعشرين، ما يفرض على واشنطن تركيز مواردها على منع الهيمنة الصينية.

حظ فرنسا وروسيا في هذا التحدي محدود نظراً لتفوق عدد سكان الاتحاد الأوروبي وثروته على الدول المنافسة.

فلو تم استخدام هذه الموارد بشكل فعال، قد تتمكن أوروبا من ردع أو هزيمة أي تهديد دون الاعتماد على الولايات المتحدة بشكل كبير.

إدارة ترامب تستهدف أوروبا كمجموعة دول متدهورة، ولكن يجب أن يعمل الأوروبيون على بناء قدرات عسكرية إصلاحية والاستعداد للمفاوضات الأمنية والاقتصادية.


مواد متعلقة