«الزوجة في ظل عبقرية شكسبير: أسرار تكشف على مسرح الفجيرة»

الإثنين 14 أبريل 2025 - 10:48 ص

«الزوجة في ظل عبقرية شكسبير: أسرار تكشف على مسرح الفجيرة»

ليلى زكريا

فرضت الهيمنة التمثيلية نفسها بشكل لافت على عروض اليوم الثاني من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما. الأداء المتقن كان مفتاحاً للدهشة، وتجسد في سرد حكايات عن أوطان ممزقة وتواريخ مضطربة، وبشر يكافحون لاستعادة إنسانيتهم في عالم مليء بالصراعات اللا نهائية.

ما بين مأساة الفرد التي تلخص أزمة الحياة كما في العرض القادم من جورجيا "أغنيس زوجة شكسبير" وأزمة التاريخ والوطن كما في عرض "ميا كولبا" من بوركينا فاسو، كان جمهور المهرجان على موعد مع عروض ترفيهية حطمت حاجز اللغة. تفاعلت العروض مع تنوع الجمهور ولغاته، ونجحت في إيصال الحكايات بكل تفاصيلها دون أي عائق.

"ميا كولبا" الآتي من بوركينا فاسو والذي كان خارج المسابقة الرسمية، قدم رحلة جمالية مشوقة من حكاية نسجت بخيوط الجمال. عرضٌ غني بالتفاصيل التي لم تتوقف طوال مدة العرض، حيث جسد الفنان تشارلز نومويندي تيندريبيوغو أدوار المؤلف والمخرج والممثل في ذاكرة القارة الإفريقية الجريحة.

لم تكن رحلة نومويندي عابرة، بل حوّل الخشبة إلى مساحة لطقوس روحانية من خلال بناء بصري متقن. انطلق من تلك الطقوس إلى محاكمة وصراع متبدل لم يتوقف لحظة واحدة مع الذات والآخر وحتى المعتقد، في مواجهة قوى لا هم لها سوى قتل الروح الحرة في البشر.

عرض "ميا كولبا" لم يقدم إجابات أو نصائح، بل كان رحلة إبداعية تجاوز فيها الممثل الأداء العادي لصالح طقوس تستدعي الذاكرة والمعتقد والسلطة. استند الممثل على التقنيات الأدائية المعقدة ليخوض رحلته بتشابك مع عقائد شعبية معقدة وقوى غيبية وكائنات أسطورية. تمكن هذا العرض من الاستمرار في خطابه موجهة إلى شخصية وهمية سماها "Mr. President".

تميز العرض بجمال بصري مدروس، حيث أبدعت الإضاءة في منح جسد الممثل طاقة تعبيرية إضافية، مما عمق الأبعاد الأسطورية والمفاهيم الدلالية للعمل. لم يكتف الممثل بالخشبة، بل تفاعل مباشرة مع الجمهور في لعبة مرتجلة ولكن مدروسة، خاطب الحضور قائلاً: "اهرب من الموت، الموت قادم"، تبعها بمناشدة مؤلمة.

أما العرض الجورجي "أغنيس زوجة شكسبير" فقد كانت تجربة لافتة على خشبة المسرح. جاءت كعرض تنافسي ضمن المسابقة الرسمية ويحمل توقيع نينا مازور في الكتابة وإخراج أفتانديلفار سيماشفيلي. قامت بالأداء الممثلة القديرة إيرينا ميجفينيتوخوسيسي.

حكاية أغنيس لم تُكشف تماماً في تاريخ وليم شكسبير، وفي العرض تم إعادة بناء شخصية "أغنيس هاثاواي" وفق سرديات جديدة. يمكن اعتبار العرض محاولة لإضاءة الدور الفعلي الذي قامت به أغنيس في حياة شكسبير.

العرض يسير على فرضية أن أغنيس هي التي تروي قصتها بنفسها، وتتحول إلى صانعة فاعلة في إرث شكسبير الأدبي. يوسع العرض من نطاقه للحديث عن معاناة النساء اللواتي صنعن الإنجازات الكبيرة بصمت، دون أن يُعترف بهن ساهم "أغنيس" في كونه رمزاً لكل النساء اللواتي لعبن دوراً في نجاح الآخرين.

لم يترك أداء الممثلة إيرينا مجالاً لفراغ، حيث كان حضورها طاغياً وبليغاً في إيصال المعاناة والأسئلة. عبر سلسلة من المونولوجات، تتحدى أغنيس صاحب الهالة الكبيرة، وتجبره على تبرير ما لم يبرره يوماً، ليغدو العرض محاكمة علنية للإلغاء.

في مواجهة الطغيان المؤسسي والفردي، توسيع دلالات العرض ليصبح نقداً للبنية الثقافية التي تغيب المرأة وتمنح الرجل الإبداعي الحضور البارز. يركز على السؤال هل يمكن لمبدأ أن يكبر دون بيئة داعمة تتجلى فيها التضحيات غير المعلنة.

جمهور المهرجان كان أمام فرجة مبهجة، فقد حطم العرض حواجز اللغة وتفاعل مع الجمهور بكل تنوعه ولغاته، ليزداد تأثيرها مع الأداء المتقن الذي أثار الدهشة عبر الحكايات عن أوطان وتواريخ ممزقة.


مواد متعلقة