التحديات المتزايدة ترهق الاقتصاد الروسي بسبب أعباء الحرب
الأربعاء 24 ديسمبر 2025 - 04:51 ص
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الاقتصاد الروسي بات أضعف مقارنةً بالوضع في بداية الحرب على أوكرانيا، ومع دخول الحرب عامها الرابع، نشر تقرير حديث من منظمة بيس ريب للأبحاث التابعة لجامعة إدنبرة، أن الاقتصاد الروسي يواجه تحديات تزداد نتيجة الأعباء المالية الكبيرة التي فرضتها الحرب.
جاء في التقرير بعنوان "سباق مع الزمن؟ لماذا ينفد اقتصاد الحرب الروسي"، أن روسيا اضطرت لإنفاق كبير لتمويل العمليات العسكرية، في ظل تراجع قدرتها على توليد الإيرادات. وأوضح التقرير أن أحد المصادر الرئيسية التي تعتمد روسيا عليها في تمويل هذا الإنفاق، وهو صندوق الثروة السيادي الروسي، يشهد استنزافاً سريعاً.
بحسب البيانات المتاحة، تم إنفاق حوالي 76% من احتياطات الصندوق التي كانت تبلغ قبل الحرب نحو 148 مليار دولار، وذلك خلال السنوات الثلاث الأولى فقط من الحرب. في مقال سابق لي نُشر في مايو الماضي، أشرت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك القدرة على تحمل تكاليف حرب طويلة الأمد بفضل استعدادات اقتصادية امتدت لأكثر من عقدين.
خلال فترة حكمه، حافظت روسيا على تحقيق فوائض متواصلة في الميزانية ونجحت في تكوين احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية، إلى جانب تقليص اعتمادها على الديون الغربية. إلا أن التساؤل الرئيسي المطروح اليوم هو مدى قدرة هذه الاستعدادات على الاستمرار في دعم الاقتصاد الروسي في ظل الضغوط المتزايدة.
في الوقت الحالي، لا تزال روسيا قادرة على مواصلة تمويل الحرب، إلا أن ذلك يتحقق بفضل الاعتماد المكثف على احتياطاتها السابقة، سواء من النقد الأجنبي أو من صندوق الثروة السيادي، إلى جانب تخصيص نسبة متزايدة من مواردها الوطنية لصالح القطاع العسكري. تزداد الضغوط الخارجية على الاقتصاد الروسي.
الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر حالياً أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال الروسي وغاز الأنابيب، أعلن عزمه وقف استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي بحلول عام 2026، على أن يتوقف استيراد غاز الأنابيب في العام التالي. على الرغم من هذه التحديات، أظهرت مصادر الدخل الروسية مرونة ملحوظة خلال سنوات الحرب.
قامت روسيا بتنوع وجهات صادراتها من النفط الخام، بحيث باتت الصين تستحوذ على نحو 47% من هذه الصادرات، بينما تستورد الهند نحو 38%، وتأتي تركيا بحصة تقدر بنحو 6%. أسهمت هذه التدفقات المالية، بجانب التحضيرات الاقتصادية التي سبقت الحرب، في دعم الركائز الثلاث الأساسية لأي اقتصاد في زمن النزاعات.
الركائز الأساسية هي الإنتاج الصناعي، والقدرة المالية، والمرونة الاجتماعية. وفقاً لتحليل من مركز أبحاث السياسات الاقتصادية عام 2024، زاد الإنتاج الصناعي المرتبط بالحرب في روسيا بنسبة تقارب 60% خلال السنوات الأولى، ولا يزال يشكل دعامة رئيسة للقاعدة الصناعية الروسية حتى اليوم.
الصناعات العسكرية استحوذت على النصيب الأكبر من نمو قطاع التصنيع منذ اندلاع الحرب. في السياق ذاته، لا تزال عائدات قطاع الطاقة تشكل مصدراً مهماً لدعم الميزانية الفيدرالية، رغم ازدياد اعتماد الحكومة على الاقتراض الداخلي والسحب من الاحتياطات لتغطية العجز المالي.
على مستوى الأسر، ساعدت زيادة الأجور في القطاعات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، إلى جانب المساعدات الحكومية المقدمة لعائلات الجنود المجندين، في الحد من تأثيرات التضخم. عوائد التجنيد أسهمت في رفع معدلات الادخار لدى الأسر، خصوصاً في المناطق الأفقر داخل روسيا.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن هذه الحرب وتكاليفها الباهظة تلقي بظلالها السلبية على آفاق النمو الاقتصادي الروسي. التحديات ما زالت قائمة.
السؤال المحوري الآن هو إلى متى ستتمكن روسيا من الاستمرار في دعم اقتصادها العسكري بالاعتماد على ما تبقى لديها من احتياطات؟
نقص العمالة تحول إلى مشكلة هيكلية عامة، ولم يعد مجرد ظاهرة مؤقتة، في ظل استمرار الضغوط التضخمية حتى مع تباطؤ وتيرة النمو.
هذه التحديات تتفاقم بسبب التراجع السكاني المستمر، حيث أدى التجنيد الإجباري إلى جانب موجات الهجرة والانخفاض طويل الأمد في عدد السكان، إلى تقليص حجم القوى العاملة المتاحة.
روسيا تواجه كذلك قيوداً تكنولوجية متزايدة، حيث أسهمت ضوابط التصدير المفروضة عليها في عزلها عن العديد من المكونات المتقدمة، ما دفعها إلى الاعتماد على الواردات الموازية أو البدائل المحلية.
هذه القيود تؤثر سلباً على سرعة الإنتاج وتعيق تطوير أنظمة عسكرية جديدة ومتقدمة. في نهاية المطاف تعتمد قدرة روسيا على مواصلة القتال بدرجة كبيرة على عوامل خارج حدودها.
تساهم العوامل الخارجية في إبطاء وتيرة تشديد الضغوط المالية، وفي المقابل تؤدي العقوبات الأميركية والأوروبية المتزايدة إلى تقييد وصول روسيا إلى التكنولوجيا المتقدمة وتعقيد حركتها التجارية.
رغم أنه لا يبدو أن الاقتصاد الروسي في حالة انهيار وشيك، فإنه في الوقت نفسه لا يتمتع بالاستقرار الكامل، حيث يستمر في تحمل الأعباء والضغوط إلى المستقبل القريب والبعيد.
يرزان توكبولات، محاضر في جامعة كوين في بلفاست.
عن آسيا تايمز. صندوق الثروة السيادي الروسي يعد من المصادر الرئيسية لتمويل عمليات روسيا العسكرية. الإنتاج الصناعي المرتبط بالحرب وعائدات قطاع الطاقة يدعمان الاقتصاد الروسي.
مواد متعلقة
المضافة حديثا