الإنسان استوطن جبل الفاية منذ 210 آلاف عام

الخميس 26 يونيو 2025 - 07:43 ص

الإنسان استوطن جبل الفاية منذ 210 آلاف عام

ليلى زكريا

أكدت دراسة بحثية نشرتها مجلة العلوم الأثرية والأنثروبولوجية، التابعة لمؤسسة النشر العلمية الرائدة سبرينغر نيتشر، أن البشر الأوائل عاشوا في جبل الفاية بالشارقة قبل 80 ألف عام. وتعد هذه الطبقة الأثرية التي تناولتها الدراسة للمرة الأولى في التاريخ، إضافة هامة من الأدلة العلمية الحديثة على الامتداد البشري في المنطقة.

يمثل هذا الاكتشاف نُقطة تحول في الجهود المستمرة لترشيح ملف "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية" إلى قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو. يعزز هذا من الأهمية العالمية لموقع جبل الفاية كموقع أثري رئيسي يُبرز بدايات انتشار الإنسان العاقل حول العالم.

تشدد نتائج الدراسة على أهمية الفاية كموقع محوري لفهم تحركات الإنسان العاقل المبكر وتكيفه واستراتيجيات بقائه في البيئات الصحراوية الصعبة والمتغيرة في شبه الجزيرة العربية. تُظهر أن الفاية لم تكن مجرد ممر عبور، بل موقعًا مهمًا ومستدامًا للسكن والاستقرار والتقدم البشري.

جاءت هذه الدراسة كناتج تعاون دولي بين هيئة الشارقة للآثار وجامعة توبنغن وجامعة فرايبورغ وجامعة أوكسفورد بروكس، وبدعم من مؤسسة البحوث الألمانية وأكاديمية هايدلبرغ للعلوم. تجمع الجهود الأكاديمية هذه لتوثيق النشاط البشري في المنطقة خلال مرحلة مناخية محورية، تعرف بـ "المرحلة الخامسة من النظائر البحرية".

يوضح رئيس البعثة الأثرية الألمانية في الشارقة، الدكتور كنوت بريتزكي، أن هذه المرحلة تمثلت في تأرجح مناخي شهد تقلبات حادة في درجة الحرارة وهطول الأمطار. نتج عن الرياح الموسمية فترات رطبة متقطعة، حولت الصحراء إلى مزيج من البحيرات والمراعي الخصبة، وهو ما قدم موطنًا للبشر الأوائل.

الاكتشاف لا يقتصر على المناخ فحسب، بل يمتد إلى الأدوات المتقدمة التي استخدمها سكان الفاية الأوائل. استخدموا تقنية معروفة بـ "الاختزال ثنائي الوجه" لتشكيل نصال حادة وطويلة. هذه الأدوات تعكس تقدمهم وتميزهم عن الأدوات الحجرية الأخرى المكتشفة في شمال شبه الجزيرة العربية.

قال مدير عام هيئة الشارقة للآثار، عيسى يوسف: "تشير نتائج الدراسة بوضوح إلى أن المرونة والإبداع هي من السمات القوية للطبيعة البشرية. الأدوات المكتشفة في الفاية تجسد عمق العلاقة بين الأرض والإنسان وتبين كيف يمكن لاكتشافات الماضي أن تُلهم الحاضر وتربطنا بالمستقبل".

لا تقتصر أهمية الدراسة على النتائج العلمية فقط، بل تتجاوزها لتقديم نموذج لكيفية الجمع بين العلوم الأثرية والسرد التاريخي لزيادة الوعي العام والأكاديمي بالماضي المشترك للبشرية. تُبرز الدراسة دور الشارقة في ريادة البحث الأثري والحفاظ على التراث الثقافي الإنساني.


مواد متعلقة