أوروبا تتخذ خطوات جديدة نحو الاستقلال في مواجهة سياسات ترامب

الأحد 27 أبريل 2025 - 06:25 ص

أوروبا تتخذ خطوات جديدة نحو الاستقلال في مواجهة سياسات ترامب

ناصر البادى

لطالما كانت الولايات المتحدة تحمل رسالة واضحة إلى حلفائها في أوروبا: يجب عليكم القيام بالمزيد، وزيادة الإنفاق على الدفاع، ومواجهة الكرملين بشجاعة أكبر، والمشاركة في الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الاستجابة الأوروبية كانت غالبًا باهتة.

عندما تم إنشاء حلف شمال الأطلسي في 1949، سأل الكونغرس وزير الخارجیة الأمریکی حینها، دین إكیسون، عما إذا كان ذلك يعني بقاء القوات الأميركية في أوروبا، فرد قائلاً أن الحلف ما هو إلا جسر لنقل أوروبا نحو الاعتماد على النفس.

بعد عشر سنوات، أعرب الرئيس دوايت إيزنهاور عن خيبة أمله لأن أوروبا لم تصل بعد إلى الاعتماد على نفسها.

منذ بداية الحرب الباردة، سعت الولايات المتحدة إلى ربط أوروبا بالدفاع المشترك ضد الاتحاد السوفييتي، وحاولت إبقاءها تحت وصايتها، ولكن بعض الدول الأوروبية كانت ترفض ذلك.

مثلاً، في 1958، طالب الرئيس الفرنسي شارل ديغول بتشكيل قيادة ثلاثية لقوى الناتو النووية، ورفضتها بريطانيا والولايات المتحدة، ما دفع فرنسا للانسحاب العسكري من الناتو.

رغم الخلافات، طغى التهديد السوفييتي على المشهد. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، بدا أن التهديد انتهى، إلا أن الحلف بقي كما هو، فتحاول القوى الأوروبية رسم أولويات جديدة.

في 1998، وقعت فرنسا وبريطانيا اتفاقية للتعاون تنص على استقلالية العمل العسكري الأوروبي، إلا أن ذلك لم يلقى ترحيباً لبعض الدول الأوروبية في ذلك الحين.

لكن الأمور تغيرت منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، مما جعل التهديد الروسي واقعاً ملموساً، وبدأت أوروبا تأخذ الأمر بجدية أكبر في ظل المواقف الأميركية.

وبذلك استأنف الحديث عن اتفاقية أمنية دفاعية جديدة بين الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة، التي غادرت الاتحاد، الأمر الذي جعل الوزراء البريطانيين يحضرون قمم الاتحاد الأوروبي.

الدول الكبيرة مثل فرنسا وألمانيا التي كانت ترفض تدخل بروكسل في شؤونها الأمنية أصبحت الآن أكثر استعداداً لرؤية الاتحاد الأوروبي يتولى زمام الأمور الأمنية.

لكن الولايات المتحدة لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه التحولات الأوروبية، إذ شهدت بعض العواقب العملية نتيجة لهذه التحولات.

إدارة ترامب لم تعد ترى في أوروبا حليفاً مستقراً في ما يتعلق بتجارة الأسلحة، ما جعل بعض الدول الأوروبية تعيد النظر في صفقات الأسلحة مثل طائرة إف-35.

تتطور كذلك الخطط لإنشاء نظام تمويل للدفاع الأوروبي لشراء الأسلحة من شركات أوروبية، الأمر الذي سيحرم الولايات المتحده من الأرباح والوظائف والنفوذ.

الجهود الأوروبية في مجال الاستخبارات طالما كانت محل سخرية، لكن الآن، تتمتع هذه الجهود بميزانيات قوية ونفوذ.

مع ذلك، تحتاج أوروبا إلى تعزيز قدراتها على مستوى الجنود والعتاد كي تتمكن من تشكيل منظومة دفاعية تقليدية فعالة.

إضافة إلى ذلك ستحتاج أوروبا إلى التكيف مع التهديدات الروسية غير التقليدية مثل الهجمات السيبرانية والتخريب والتمويلات القذرة.

هذا التكيف لن يأتي دون تكلفة، فستشمل زيادة الضرائب، وانخفاض مستويات المعيشة، وتراجع الخدمات العامة.

وفي ظل سياسة أميركا أولاً، قد يؤدي ذلك إلى تباعد بين ضفتي الأطلسي وتقليل التأثير الأميركي على أوروبا.

لكن أوروبا قوية مستقلة ربما تصبح واقعاً فيما بعد، ما يجعلها شريكاً نداً قوياً للأميركا في المستقبل.

هذه التحولات ستؤدي إلى استقلال الاتحاد الأوروبي في المواقف السياسية الدولية، وسيتمتع بأفكار وأولويات خاصة لا تتقاطع بالضرورة مع الأميركيين.

ستشهد العلاقات الاستخباراتية بين الجانبين تغييرات، حيث كانت القدرات الأميركية تمنحها تفوقاً على نظرائها الأوروبيين.

لكن تحول المزاج الأوروبي نحو مزيد من الحذر في التعاملات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، ربما يغير بعض المعادلات التقليدية بين الجانبين.

النهاية قد تكون هنا لصالح المسار الجديد، رغم كونه معقداً، لكنه الطريق نحو بناء نظام أوروبي مستقل في الأمن والعلاقات الدولية.


مواد متعلقة