شمال أوروبا: بوابة الاستقرار الاستراتيجي للقارة العجوز
الأربعاء 11 يونيو 2025 - 10:22 م
تصاعدت الشعبوية في المشهد السياسي الأوروبي، مما جعل مجموعة من ثماني دول صغيرة في شمال القارة تكتسب وزناً كمرساة استقرار جيوسياسية. تُعرف هذه الدول بدول الشمال الأوروبي، وتشمل الدنمارك، فنلندا، آيسلندا، النرويج، السويد، ودول البلطيق الثلاث: إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا.
رغم أنها دول صغيرة من حيث عدد السكان والناتج المحلي، إلا أن قوتها تكمن في تشكيل قوة ضغط على القرار الأوروبي والغربي، خاصة في الملف الأوكراني وأمن أوروبا الشرقية. ازداد نفوذها منذ الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022، مقدمة نموذجًا مميزًا للتكامل الدفاعي والمرونة.
تأسس التكتل في عام 1992 بهدف تعزيز التعاون بين دول الشمال الأوروبي الغنية والمستقرة والدول البلطيق التي كانت تحت النفوذ السوفييتي. تمتع التعاون بطابع مؤسسي من خلال اجتماعات دورية لأعلى المسؤولين، ما أسس لقاعدة تنسيق سياسي وثقافي وأمني قوية.
ارتفع نفوذ دول الشمال الأوروبي الثمانية مع تزايد التوترات الجيوسياسية، خاصة في مناطق بحر البلطيق، شمال الأطلسي، والقطب الشمالي. قالت ميته فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، إن العالم يتغير بسرعة ويجب على أوروبا إعادة تسليح نفسها للدفاع.
تُعد الدنمارك للرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي اعتباراً من يوليو المقبل، مما يعزز حضور الشمال الأوروبي في الساحة الدولية.
في ظل تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا، تظل دول الشمال الأوروبي والبلطيق الداعمة الرائدة لكييف والجهود الدفاعية الأوروبية والناتو، حتى مع سياسات الهجرة المشددة تحت ضغط الشعبويين. شاركت هذه الدول في تحالف "الراغبين" لدعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا عندما قام ترامب بتعليق المساعدات لكييف.
ترى دول الشمال الأوروبي الثماني أن استقلال أوكرانيا وهزيمة روسيا ضرورية لمصالحها نظراً لقربها الجغرافي من موسكو. يعتمد الناتو والاتحاد الأوروبي على دليل الدفاع الشامل الذي تتبناه فنلندا والسويد لإيجاد تكامل بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني دفاعيا.
تستطيع فنلندا التي يبلغ تعداد سكانها 5.6 ملايين شخص حشد جيش يزيد عن 180 ألف بسرعة. كما يمتلكون نظام تجنيد نشط وقوات احتياط كبيرة تبلغ حوالي 870 ألف.
أرسلت السويد نسخة محدثة من دليل الدفاع الشامل لخمس ملايين أسرة تركز على الاستعداد للأزمات والحرب.
أوصت المفوضية الأوروبية جميع الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات مماثلة لتحضير سكانها للطوارئ الممكنة.
تعقد دول الشمال والبلطيق اجتماعات دبلوماسية مسبقة لتنسيق مواقفهم قبل اجتماعات الناتو والاتحاد الأوروبي، وهو ما يعزز القوة الدبلوماسية لهم.
تتميز دول الشمال الأوروبي والبلطيق بأنظمة ديمقراطية مستقرة وقيم متقاربة، ما يجعلها شريكاً موثوقاً لباقي دول الاتحاد الأوروبي، خاصة وسط عدم استقرار سياسي في بولندا وفرنسا وإيطاليا.
ربطت دول الشمال الأوروبي والبلطيق جيوشها بالمملكة المتحدة وهولندا من خلال القوة الاستكشافية المشتركة، وحافظت على قوات عالية الجاهزية والتدريب والمرونة الدفاعية.
تعمل مع الناتو لحماية الكابلات وخطوط الأنابيب تحت الماء من أي تهديدات. كما شكلت القوات الجوية لفنلندا والنرويج والسويد قوة مشتركة تحت الناتو.
دول البلطيق تقيم دفاعات مشتركة على حدودها الشرقية. كما تناقش مفهوما يسمى جدار البلطيق للطائرات المسيرة باستخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة الحدود.
حتى إذا تجاوزت دول الشمال الأوروبي الثمانية حدودها، ستظل ذات تأثير محدود بسبب اعتماد اقتصاداتها المفتوحة على التجارة الحرة في الاتحاد الأوروبي.
تحاول هذه الدول منع المفوضية الأوروبية من تخفيف قواعد تخفيض المساعدات الحكومية لصالح الصناعات الفرنسية والألمانية.
العالم يتغير بنشوة قومية ورسوم جمركية، مما قد يضعف من تأثير دول الشمال والبلطيق على المدى الطويل.
رغم أن دول الشمال الأوروبي صغيرة سكانياً واقتصادياً، إلا أنها تُشكّل قوة ضغط فعالة في السياسة الأوروبية، خاصة في الملف الأوكراني.
مواد متعلقة
المضافة حديثا