البرازيل تستخرج الأسمدة من الأمازون لحماية المحاصيل الزراعية

الأحد 09 نوفمبر 2025 - 07:26 ص

البرازيل تستخرج الأسمدة من الأمازون لحماية المحاصيل الزراعية

منى شاهين

في قلب غابة الأمازون الشاسعة والمطيرة، تستعد قافلة من العمال لحفر نفق عمودي حيث يخططون لحفره بعرض يوازي حجم مترو الأنفاق وعلى عمق نصف ميل تحت سطح الأرض. ولكن هذه المرة، لا يبحث هؤلاء العمال عن الذهب أو النفط، بل عن شيء لم يكن في الماضي يعتبر بالغ الأهمية للبرازيل، وهو الأسمدة.

ومع تزايد التوترات التجارية حول العالم، حلت البرازيل دوراً مهماً حيث أضحت بديلاً للعديد من الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الصين. تلك الأخيرة كانت قد اتخذت قراراً بتجنب شراء فول الصويا الأمريكي كجزء من الردود التجارية على السياسات الجمركية للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وقد فرضت هذه الإدارة الرسوم الجمركية بنسبة 50% على البرازيل خلال هذا العام، مما زاد من المخاطر التي تواجهها الصناعات الزراعية البرازيلية الكبيرة. وهكذا، سعت الدولة إلى إيجاد أساليب جديدة لدعم اقتصادها المتنامي وسط الصراعات التجارية الدولية.

لكن رغم هذه الجهود، لا يزال أمام البرازيل مشاكل في توفير الأسمدة بشكل كافٍ، إذ تستورد 90% من احتياجاتها من المواد المغذية كالنيتروجين والفوسفور والبوتاس، بشكل رئيسي من روسيا.

تلك الإمدادات قد تأثرت بشدة بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية، مما جعل الوضع غير مستقر. وبدأت الأنظار تتجه نحو غابة الأمازون لما تحويه من إمكانيات طبيعية غنية ومدفونة تحت سطح الأرض.

قامت شركة التعدين بوتاس البرازيل، التي تتخذ من تورونتو مقراً رئيساً لها، بالاستثمار بوتيرة ضخمة بلغت 2.5 مليار دولار بهدف بناء منجم تحت الأرض قرب بلدة أوتازيس، وللاستفادة من الثروة الكامنة في حوض الأمازون الضخم.

من المتوقع أن يبدأ الإنتاج من هذا المنجم، الذي سيُنتج 2.4 مليون طن سنوياً، في عام 2030. وستخصص جميع تلك الكميات للإسهام في سد احتياجات البرازيل من الأسمدة على مدار الثلاثة عقود القادمة، حيث سيوفر ما يصل إلى خُمس متطلبات البلاد.

يُعتبر الحوض نفسه غنياً برواسب البوتاس الكافية لجعل البرازيل تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع المهم، خاصة أن أسمدة البوتاس تعتبر أساسية لتعزيز خصوبة التربة ودعم إنتاجية المحاصيل الزراعية.

ومن المتوقع أن يُمكن توفر الإمدادات المحلية من حماية المحاصيل من أي صدمات جيوسياسية ممكنة، مثل تلك التجربة التي عاشتها البرازيل عندما صعدت أسعار البوتاس بشكل جنوني في عام 2022 بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.

وأتت تلك التحولات لتعزز موقف البرازيل في أوقات اشتداد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مانحة إياها قدرة أكبر على زيادة حصتها في سوق المنتجات الزراعية.

وأشار رئيس المشروع في البرازيل، رافائيل بلواز، إلى أهمية الفرص الطبيعية المتاحة في البرازيل. إذ قال لدينا هنا مصدر ثمين، وعلينا استغلاله لتحقيق أقصى الفائدة. وأعلن بلواز أن هناك خططاً جارية لإقامة موقع تعدين جديد في فازيندينا بالقرب من ملتقى نهري ماديرا والأمازون.

كما أوضح أن البرازيل تحتاج لكميات أسمدة أكبر بصورة واضحة من بقية الدول الزراعية الكبرى، وذلك للحفاظ على مستويات إنتاجها الحالية، خاصة أن تربتها ذات الطابع الطيني تعاني من سرعة نفاد المغذيات وعدم الاحتفاظ بالأسمدة جيداً.

من جانب آخر، أبدى مستثمرون صينيون اهتماماً بالانضمام إلى المشروع الضخم، ويتضمن المشروع محطة ميناء وخط كهرباء بطول 102 ميل، واتفق أكثر من مسؤول مع بكين على إمكانية مبادلة شراء البوتاس بتوريد محاصيل زراعية كفول الصويا والقطن بشكل موازٍ.

غير أن موقع مشروع أوتازيس في ولاية أمازوناس يعدّ تحدياً متعدد الأوجه، إذ تتحاذى أمازوناس مع ولاية ماتو جروسو، أكبر مستهلك للأسمدة في البلاد، ما يسبب مشقة معالجة مئات الأميال من الغابات المطيرة الكثيفة.

يتم في الوقت الحالي نقل محاصيل ماتو جروسو بالشاحنات إلى البوارج النهرية المتجهة نحو المحيط الأطلسي، وبمجرد انتهاء إنشاء المنجم، يمكن للشاحنات العودة محملة بالبوتاس لرفع كفاءتها واستخدامها لصالح الزراعة المحلية.

وصرّح الرئيس التنفيذي لشركة بوتاس البرازيل، مات سيمبسون، أن الشركة تعد بمثابة مصدر ضخم للصادرات الزراعية إلى الأسواق الصينية، موضحاً أن وجود مخزون محلي للبوتاس يساهم في تقليص المخاطر الجيوسياسية.

لكن، إنشاء منجم في منطقة معروفة بحساسيتها الثقافية والبيئية ليس بالمهمة السهلة. فقد قضت الشركة العقد الماضي في محاولات للحصول على الموافقات الرسمية والحد من النزاعات القانونية.

بدأت أيضاً الشركة في تنفيذ مشاريع اجتماعية واقتصادية محلية، وكانت تستهدف عدة نواحٍ في الحلقة المحيطة بالمنجم، إذ تُعدّ هذه المبادرات بوابة لزيادة الدخل لدى السكان المحليين.

وفي بلدة أوروكوريتوبا المجاورة، يواجه السكان معضلات صحية ناتجة عن عدم توفر خدمات مياه وصرف صحي مناسبة. كما تستهدف الشركة تقديم دعم إضافي لمواجهة مثل هذه التحديات الاجتماعية والبيئية.

ويظل السؤال الأبرز بالنسبة للقبائل المحلية وفقاً لزعيم قبيلة مورا يبحث عن التوافق بين تحسين جودة الحياة والحفاظ على العادات والتقاليد، وإن كانت هذه التحديات قد فرضتها الظروف الاقتصادية والسياسية تماشياً مع المصالح الوطنية.

لقد تحولت وجهة النظر نحو التعدين في الأمازون مؤخراً إلى بؤرة النقاش حول مستقبل الغابات المطيرة ومستقبل السكان الأصليين، ذلك في الوقت الذي تتطلع فيه البرازيل إلى تحقيق منافع اقتصادية كبيرة مع إبقاء عينها على حماية إرثها البيئي النادر.


مواد متعلقة